أسئلة التاريخ الكبرى

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يدور الفكر الإنساني بصفة عامة، وربما التاريخ بأكمله، حول ثلاثة أسئلة، أو مفاصل كبرى، يتعلق الأول منها بمحاولة اكتشاف المجهول، ويرتبط الثاني بضرورة فهم الذات، ويختص الثالث بفكرة العدالة بين بني البشر.

في المفصل الأول، بإمكاننا أن نرصد كل النشاط العلمي والفلسفي، حيث وقف الإنسان حائراً أمام ما لا يدركه ولا يعرفه في العالم الواسع المحيط به، فبدأ يسأل، ويستكشف، ويجرب ويتعلم يقوده فضول المعرفة، وجاءت الإجابات لتقلل من حدة ذلك الغموض المحيط به، إجابات انفتحت على الروح وخاضت مغامرة العقل، وبحثت كل شيء في مختبرات العلم. وفي لحظة ما أدرك البشر أن تلك الإجابات وإن كانت تتعلق بمسائل وقضايا كبرى، بقيت النفس غامضة، هنا تقدمت الثقافة والفنون والآداب لمحاولة تجاوز هذا الغموض أو الاغتراب، بالمصطلح الفلسفي، وظل هذا الاغتراب مهيمناً بصورة أو بأخرى، فنشأت فكرة الآخر وما صاحبها من أفكار وصور ذهنية وحروب ومحاولات هيمنة على ذلك الآخر، رغبة في اكتشافه أولاً، ثم السيطرة عليه لاحقاً. أما فكرة العدالة فتتعلق بكل الصراعات والثورات والحروب التي خاضها البشر من أجل تأسيس مجتمعات يعيشون فيها بكرامة وحرية.

القارئ للتاريخ سيكتشف أنه مع عصر التنوير وما لحقه من حقب أخرى: الثورة الصناعية والنهضة العلمية، شعر البشر رويداً رويداً أنهم يحققون تقدماً مذهلاً في تلك المفاصل، وبشّرنا الكثيرون أن العلم سينتصر على المجهول، وأن العالم بأكمله بات مكشوفاً لنا لا غموض فيه، وتحدث آخرون عن إنسانية واحدة يسودها الاحترام والعيش المشترك، ولكن مع مرور عقود طويلة على تلك الأفكار، سنكتشف أن تلك الدعوات كانت أقرب إلى الأحلام والأمنيات غير القابلة للتحقق.

نحن نعيش الآن في عالم، تشتد فيه وطأة تلك الأسئلة، وتبدو فيه مثل الألغاز والأحجيات، ومع الثورة التكنولوجية والعلمية فائقة الحداثة، باتت مساحة المجهول أكبر مما سبق، بل يمكننا القول إنه كلما تقدمنا علمياً كلما تزايد غموض الكون: تؤكد ذلك اكتشافات الفلك كل يوم، وحتى بحوث الطب التي تتحدث دورياً عن أمراض جديدة، ومهام ووظائف في أجسادنا لم نكن نعرف عنها شيئاً. وفي هذه الخريطة التي تتحكم فيها العولمة والرأسمالية الليبرالية، توجد شرائح واسعة ممن يشعرون بالبؤس، أما سوء فهم الذات والآخر فيكفي أن تتابع مواقع التواصل الاجتماعي لتتأكد أننا نعيش عصره الذهبي. وتظل تلك الأسئلة معلقة حتى مرحلة تاريخية جديدة ربما تكون أكثر إنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ycyzy7uc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"