المنطق ضرورة غائبة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يحتاج العالم الذي نعيش فيه إلى قليل من المنطق، وهو مطلب نشعر به جميعاً عندما نعلم أن منظمة اليونسكو خصصت الرابع عشر من يناير(كانون الثاني) من كل عام يوماً دولياً للاحتفال بالمنطق. بدأ هذا العلم منذ جذور التفكير الأولى وارتبط في البداية بالفلسفة، ولا تزال بعض المقررات الدراسية تتعامل معه كفرع من الفلسفة، وتقول الرواية المهيمنة في العالم بأكمله، أن الإغريق القدماء هم من اخترعوا المنطق، وهناك روايات أخرى مضادة وإن لم يكتب لها الذيوع والانتشار، بحثت عن المنطق والفلسفة، أو التفكير العقلاني المجرد، في حضارات الشرق القديمة.

الرواية المهيمنة للغرب في ما يتعلق بالمنطق، وفي صحبته الفلسفة، ستؤثر في مجالات عدة ربما تكون ظاهرياً بعيدة عن هذين الحقلين، فنتيجة لتلك الرواية، تأسست سرديات ترى أن الغرب هو الحضارة الوحيدة التي مارست التفكير النظري المجرد، وهي الحضارة الوحيدة التي تفكر بعقلانية...إلى آخر تلك الأطروحات التي أثّرت في السياسية و بررت الاستعمار والاستيطان وإبادة شعوب بأكملها، في الأرض الجديدة، حيث وصفت شعوبها بأنها لا تستطيع التفكير، فضلاً عن حزمة نظريات نشأ على أساسها الاستشراق، وأفكار سخيفة أخرى رددها بعضهم وصارت عناوين لكتب، مثل «هل يستطيع الآسيويون أن يفكروا؟»، مع أن أبسط إعمال لقواعد المنطق ستخبرنا بأنه لا يمكن لحضارة، ونعني هنا الحضارات القديمة، أن تتأسس من دون إعمال العقل، ولا يمكن لملايين البشر أن ينظموا حياتهم، شعوب الأمريكتين، من دون قواعد لابد أن تتضمن قبساً من منطق.

إن الدرس الأول الذي يخبرنا به المنطق، أنه ليس حكراً على إنسان دون آخر، هو ملك للبشر جميعاً، يوظفونه في حياتهم اليومية. وهناك العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تؤثر فينا وتجعلنا في أحيان كثيرة لا منطقيين، وهي عوامل لا ترتبط بعرق أو هوية، ولكنها تتعلق بالضعف الإنساني وضغوط الحياة.

الدرس الثاني المسكوت عنه في مسألة غياب المنطق عن حياتنا، أننا لو تأملنا جوهر هذا العلم، سنكتشف أنه يرتبط بالتفكير المتسلسل الذي تؤدي فيه المقدمات الصحيحة إلى نتائج صائبة، وتتطلب تلك المقدمات توافر قدر كبير من العدالة والحرية وشيوع قيم الحق والخير والجمال، وهي شروط تؤدي تلقائياً إلى النتائج المرجوة، وهي شروط مرة أخرى تتدرج من الإنسان الفرد وصولاً إلى العلاقات السياسية والدولية. إن غياب المنطق هو ما يجعل البشر يشعرون بأن واقعهم غير مفهوم وأن العلاقات الدولية يسودها قدر كبير من العبث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2cftt2ay

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"