عادي
فيلم سعودي شارك في «تورنتو» وتعرضه «نتفليكس»

«ناقة».. حالة اجتماعية بمعالجة رمزية واقعية

22:03 مساء
قراءة 5 دقائق
«ناقة».. حالة اجتماعية بمعالجة رمزية واقعية
سارة وسعد والراعي

مارلين سلوم

كل تجربة جديدة تحثك على اكتشافها، وكل عمل سينمائي يأتي من دول ما زالت تخوض تجارب في الفن السابع وتسجل نهضة لافتة، مثلما تفعل السعودية، يدفعك لمشاهدته حباً بمتابعة مسار هذه النهضة أولاً، ثم رغبة في فهم أكبر للمجتمع وللأفكار الفنية الجديدة التي تبحث عن مكان لها في عالم الإبداع الواسع.. كنا سمعنا عن فيلم «ناقة» السعودي الذي تم اختياره من قبل مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، ليعرض ضمن قسم «عروض منتصف الليل»- التي تضم مجموعة من أهم الأفلام من حول العالم- كما عُرض في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدّولي»، في جدة، لكن عرضه على منصة «نتفليكس» شكّل مساراً مختلفاً للفيلم، بفضل ردود أفعال الجمهور عليه بين معجب ومنتقد، وتصدره سريعاً الترند، وفئة الأكثر مشاهدة، والأكثر بحثاً.. فهل «الضجة» تلك لأن الفيلم سعودي، وإنتاج الأفلام في المملكة ليس بالغزارة التي تعرفها دول أخرى، وأي عمل فني يبدعه أبناؤها يلفت الأنظار، كما أنها عرفت العروض السينمائية في الصالات حديثاً أي منذ ستة أعوام فقط؟ لا، بل لأن «ناقة» بكل ما فيه، من قصته وطريقة إخراجه إلى رسالته، يثير الجدل، ويجعلك مؤيداً لبعض ما فيه، منتقداً للبعض الآخر.

يختار المخرج مشعل الجاسر، بداية قاسية لفيلمه، يعود بال«فلاش باك» إلى منتصف سبعينات القرن الماضي، وتحديداً عام ١٩٧٥، الكاميرا تتنقل، والوجوه تنظر إليها نظرة خوف، نكتشف أن المكان مستشفى من أدوار عدّة، نرى طفلاً حديث الولادة، والطبيب يطمئن الأم «لا تقلقي.. هو من جاء بك إلى مستشفى كلها رجال.. سيفرح وينسى حين يرى الطفل»، وفجأة يدخل الرجل ليطلق النار من رشاشه فيردي الطبيب والأم قتيلين، ويصاب الطفل بحالة رعب يفقد على إثرها جزءاً من سمعه.. هذا ما نفهمه لاحقاً حيث يربط المخرج بين تلك الحادثة، ومشهد يركز فيه على سماعة يضعها والد البطلة سارة (أضواء بدر)، في أذنه. بداية تمهيدية جيدة من حيث المضمون، ولو بدت قاسية، لكنها مفهومة، وتضعك على بداية خط مسار القصة، وتغريك لمشاهدة فيلم غير تقليدي.

  • تطور الزمن

مقدمة ينتقل بعدها مشعل الجاسر مخرج وكاتب الفيلم، وقد شاركه في التأليف نواف الشبيلي، إلى الوقت الحالي، ليقدم قصة من صميم المجتمع، تختصر حكاية تقاليد ومفاهيم توارثها الناس، فحاول بعضهم تطبيقها على أولادهم وبناتهم، بلا تفكير في سلبيات تأثيرها فيهم، مع تطور الزمن؛ قصة اختصرها بشخص بطلته سارة، التي يقدم أكثر من دليل على رغبتها الجامحة للتحرر من القيود، بداية من تدخينها السجائر في السر، ومضغها العلكة بطريقة مستفزة، ورفضها لتصرفات شقيقها الصغير الذي يحق له أن يفعل ما يشاء على عكسها، وصولاً إلى خروجها بالحجاب، بل النقاب، مع والدها المحافظ الذي يوصلها بسيارته إلى سوق العويس، في الرياض، لشراء حاجيات لها مع صديقتها المقرّبة، وطوال الطريق تتوسله أن تتأخر في العودة حتى العاشرة، وهو يرفض، ثم يوافق أن يأتي ليعيدها إلى المنزل في التاسعة و٥٩ دقيقة، مهدداً إياها بألا تتأخر، ولا ثانية واحدة، سخرية الكاتب في تحديد الوقت تلميح إلى تعنت الأب ووقوفه عند الدقائق والثواني في محاسبة ابنته، في حين تخرج سارة إلى السوق خالعة النقاب والحجاب ولتلتقي خلسة بصديقها سعد (يزيد المجيول). المغامرة التي نحسبها رومانسية، تنقلب إلى حلقات متسلسلة من الرعب، كأن مشعل الجاسر أراد تحميل أولياء الأمور ذنوب كل ما يمكن أن تتعرض له بناتهم من مخاطر، وأخطاء، ووقوع في شر اختياراتهن، وشر الناس، وما يخبئه القدر من أحداث مفاجئة ربما لا تحمد عقباها.. فالتحرر الذي أغرى سارة، ودفعها إلى الهروب من تشدد الأب، جعلها تقع فريسة الرغبة في خوض تجارب كثيرة، وتطبيق مقولة كل ممنوع مرغوب، فلا تكتفي بتدخين السجائر، بل تجاري صديقها في تجربة نوع من المخدر الذي يدخلهما في نوبة هلوسة، ثم يكملان رحلتهما بهدف الذهاب إلى مخيم في الصحراء، لتتوالى الصدمات والحوادث، وتزداد القصة تعقيداً، ونصل إلى الذروة مع اصطدام سيارة سعد بصغير الناقة، ما يؤدي إلى نحره من قبل الراعي السوداني، أمام ناظري الناقة التي تراقب، وتتألم عن بُعد؛ معلومة مهمة يقولها الراعي لسارة وسعد، إن الناقة لا تنسى من يسيء إليها، ويربطها المخرج بشكل مباشر بسارة التي وصفتها سابقاً صديقتها بأنها لا تنسى أبداً، أي موقف لم يعجبها، ثم يربطها لاحقاً بظهور الناقة المفاجئ، وتتبعها لسارة بهدف الانتقام منها.. الفيلم يخرج من إطار القصة الاجتماعية والتي قد توحي بشيء من الرومانسية، ليقدم عملاً أقرب إلى التشويق، والرعب الحقيقي، والجريمة، يسرّع الجاسر إيقاع عمله حيناً ويراوح مكانه حيناً، لم يترك خطراً وشراً إلا ووضعه على طريق بطلته التي تواجه كل المواقف بجرأة غير عادية، وأحياناً بلامبالاة، وتصل المفاجآت إلى حد تفاجئها هي بسعد الخائن الذي تركها في المخيم تنتظر وحيدة، وتسبب بتأخرها عن موعد العودة إلى السوق قبل العاشرة.. التوقيت هو رمز جعله المخرج رفيقاً دائماً لكل تلك الأحداث، فيزيد إحساسنا بالتوتر والترقّب، كيف ستخرج سارة من كل تلك المحن؟ وكيف ستعود إلى السوق في الوقت المناسب؟ وهل سيكشف والدها أمرها فيقتلها؟

  • مواجهة التحديات

كان من الممكن أن يمنح المخرج هذا العمل اسماً غير «ناقة»، فيليق به مثلاً اسم «نفق»، حيث تعبر سارة من نفق في طريق ذهابها مع سعد إلى الصحراء، وتعود منه أيضاً إلى السوق، كرمز لعبورها من حالة إلى أخرى، ومن واقع إلى حلم، ومن أسر وتشدد إلى حرية، علماً بأن عودتها كانت أصعب بكثير وأخطر من رحلة الذهاب.. ومع كل خطوة واجهت تحديات لتتمكن من الحفاظ على نفسها.. تحرّش، ومضايقات، وتنمّر، وخيانة، وأجواء فساد، وخروج عن القانون.. كما يليق بالفيلم اسم «سارة» لأنها الشخصية الرئيسية التي لا تغيب لحظة عن الشاشة منذ تتر البداية، وحتى النهاية التي تكون مفاجئة للجمهور ورمزية تحمل الكثير من المعاني التي تمسّ، بلا شك، المرأة السعودية والمجتمع السعودي.

ورغم كمّ الكآبة التي تغرق فيها البطلة، وكمّ المصائب التي تتوالى، ينجح الفيلم في تجسيد حالة اجتماعية أقرب إلى الواقعية، يُكثر من الرموز هرباً من الحوار المباشر للوصول إلى الهدف المنشود، ربما لحساسية القضية التي يتناولها، علماً بأنه من جهة أخرى يبدو فجّاً وفظّاً في اختيار الألفاظ، والشتائم، والتصرفات التي تصدر عن سارة، وصديقتها، والفتيات اللاتي تقابلهن في المخيم. جريء مشعل الجاسر في أول فيلم سينمائي طويل له، واختياره لأضواء بدر موفق، علماً بأنه أول دور بطولة سينمائية لها، ولا بد أن تكون لها بطولات أخرى قوية؛ ويشاركها يزيد المجيول بأداء جيد، ومعهما جبران الجبران، وأمل الحربي. رؤية المخرج تعكس وجهة نظره في قضية اجتماعية حساسة ولا شك تفتح أمامه الأبواب لتقديم المزيد من الأعمال.

  • القصة أقوى من الإخراج

ينفّرك التصوير المتحرك في كل الاتجاهات، خصوصاً في مشهد البداية داخل المستشفى، حيث يدور المخرج مشعل الجاسر بكاميرته فيزعج الناظر إلى الشاشة، فوق- تحت- التفاف حلزوني- وضع مستقيم- كاميرا مقلوبة- لا تفهم سبب هذا اللف والدوران، الذي لا يخدم العمل فنياً، ولا يشكل بداية مغرية وجذابة للعين. كما أن كثرة اعتماده على العتمة وتصوير المشاهد في الظلام يسحب من رصيد الفيلم فينتهي المطاف بالجمهور متمسكاً باستكمال القصة لمعرفة مصير البطلة، رغم انزعاجه من الصورة، وهي دلالة على أن القصة أقوى من الإخراج.

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ep8p79dd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"