عادي

آليات نفسية مدمرة للاستشراق

20:49 مساء
قراءة 3 دقائق
آليات نفسية مدمرة للاستشراق

القاهرة: «الخليج»

أصدر المركز القومي للترجمة كتاب «تبرئة الألفاظ..عن الإمبراطورية وإغراء الترجمة في مصر»، للأكاديمية شادن تاج الدين، (ترجمته إلى العربية سمر طلبة)، ويتناول الكتاب الحياة الثقافية في مصر في فترتي ما بعد الاستعمار الفرنسي، وما بعد الاستعمار البريطاني، وذلك بغرض إعادة استكشاف الآليات النفسية التي حكمت الترجمة في مصر في هاتين الفترتين، الأمر الذي يتيح للقارئ والدارس والمهتم طرقاً جديدة لفهم الإمبريالية الثقافية بوجه عام، والاستشراق بوجه خاص.

تختلف هذه الطرق عن السائد، الذي يقوم في مجمله على أفكار إدوارد سعيد، حيث التأثير الاستعماري هو تأثير يفرضه المستعمر الأوروبي فرضاً، وحيث لا وجود لتأثير الشعوب المستعمرة على من استعمرها، فالتأثير لدى سعيد أحادي الاتجاه، والإمبريالية الثقافية عنده ليست إلا امتداداً للإمبريالية العسكرية، وأوروبا في منهجه هي الفاعل النحوي والسياسي، بينما الشرق العربي المسلم هو دائماً المفعول به.

أما ما يطرحه هذا الكتاب فهو أن الاستشراق لم يكن مجرد فعل عنيف وقعته أوروبا على العالم العربي الإسلامي، كما أن هذا العالم لم يكن متلقياً سلبياً للاستشراق، بل إنه ترجم أوروبا بدوره مستخدماً مصطلحات عربية إسلامية، الأمر الذي أغرى المصريين، حسب تعبير المؤلفة، بتوهم أنفسهم سادة لأوروبا التي سادتهم.

وقد انعكس هذا في الدراسات الاستشراقية التي تناولت الحال في مصر بين أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن العشرين، فقد درجت تلك الدراسات على الفصل بين المعارف الأوروبية والهيمنة المفروضة بالقوة، وذلك بإعادة صياغة الأوروبي في قالب إسلامي عربي، فالاستشراق، وهو أحد أشكال الإمبريالية الثقافية، صور باعتباره مؤكداً لمدى رسوخ الماضيين الفرعوني والعربي الإسلامي لمصر، ومدى حيويتهما واستعصائهما على الاستعمار.

الآليات التي يطرحها هذا الكتاب ترى أن رغبة المفكرين الليبراليين المصريين في عشرينات القرن الماضي في إلحاق وطنهم بأوروبا، لغوياً وثقافياً، بل عرقياً، قد حكمت على رؤيتهم الديمقراطية القومية بالفشل، فقد وقع هؤلاء المفكرون في فخ لغة الآخر، وقد أعادوا خلق مصر على صورة أوروبا، لأنهم تعلموا أن يروا أنفسهم من خلال عين الاستشراق الغربية التي تحط من شأنهم، ولذلك تحاول المؤلفة وضع فخ اللغة في إطار نظري أكثر تماسكاً، وفي سبيل ذلك تحاول أن تبين أن الخطاب الاستشراقي قد جذب المفكرين المصريين، لأنه بدا قادراً على منح الشرعية والمقبولية للعربي والإسلامي.

يبتعد الكتاب عن الرؤية التقليدية للعلاقة بين المستعمِر والمستعمَر فهو لا يطرح ثنائية الهيمنة المقاومة باعتبارها أساساً لتلك العلاقة، بل يجعل الإغراء الذي أساسه الحب، الدافع والمحرك للتفاعل بين الطرفين، ويعيد الكتاب في ضوء تلك الفرضية، قراءة بعض الآثار الأدبية المهمة التي ارتبطت بالاستعمارين الفرنسي والإنجليزي لمصر، منها «مقامة الفرنسيس» للشيخ حسن العطار، وكتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، للشيخ رفاعة الطهطاوي، ورواية «علم الدين»، لعلي مبارك وكتاب «عبادة الأبطال» لتوماس كارلايل، الذي ترجمه محمد السباعي عن الإنجليزية ومقالات لرواد التنوير ومنهم، محمد حسين هيكل وسلامة موسى والمازني وطه حسين والعقاد.

هذا الكتاب يدعونا إلى رؤية ذواتنا الفكرية التي لعبت النهضة الثقافية ما بعد الاستعمارية دوراً في تشكيلها بطريقة جديدة مختلفة، أما مؤلفة الكتاب فقد حصلت على الدكتوراه في الأدب المقارن، من جامعة كاليفورنيا عام 2004، وهي حالياً أستاذ مساعد بقسم الدراسات الثقافية والأدب المقارن، بجامعة مينسوتا، وتهتم بالدراسات المتصلة بطبيعة الشكل الأدبي والأجناس الأدبية وآداب المهاجر والشتات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yvjwr4ds

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"