عادي

سلامة المناخ ظهرت مبكراً في المؤلفات التراثية

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق

اهتمت الحضارة الإسلامية بقضايا البيئة، وتضمنت مؤلفات وكتب ومجلدات العلماء في العصور السابقة الكثير من الحلول لمواجهة أزماتها في عصرهم، وتزخر المكتبات بالمجلدات التي تتضمن مناهج للتعامل مع قضاياها في العصور السابقة، ما يعتبر دليلاً على الاعتناء بحفظ التوازن البيئي.

يقول د. نبيل السمالوطي، عميد كلية الدراسات الإنسانية الأسبق بجامعة الأزهر: «إن التراث الإسلامي يزخر بمؤلفات عديدة حول البيئة وسلامتها، فعلى سبيل المثال، ألّف الكندي رسالة في الأبخرة المُصلِحة للجو من الأوبئة، ورسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية، ووضع ابن المبرد كتاباً بعنوان «فنون المنون في الوباء والطاعون»، وتكلم ابن سينا بالتفصيل في كتابه «القانون» عن تلويث المياه، وكيفية معالجة هذا التلوث، لتصبح المياه صالحة للاستعمال، كما أنه وضع شروطاً تتعلق بطبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع ما للسكن، أما الرازي فقد نشد سلامة البيئة عندما استشير في اختيار موقع لمستشفي ببغداد، فاختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة، مقارنة بالناحية الأخرى التي فسد فيها اللحم بشكل أسرع».

وتابع: «ألف الرازي رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء، بينما تحدث أبو مروان الأندلسي في كتابه «التيسير في المداواة والتدبير»، عن فساد الهواء الذي يهب من المستنقعات والبرك ذات الماء الراكد، وجاء في كتاب «بستان الأطباء وروضة الألباء» لابن المطران الدمشقي، ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض، وهذه رؤية متقدمة في «علم الطب البيئي»، وكتب ابن قيم الجوزية في كتابه «الطب النبوي» فصلاً عن الأوبئة التي تنتشر بسبب التلوث الهوائي والاحتراز منها».

وأشار إلى أن الأمثلة السابقة توضح أن علماء الحضارة الإسلامية تناولوا المشكلات البيئية في أجزاء أو فصول من مؤلفاتهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث نجد من بين علماء المسلمين من رأى ضرورة معالجة الموضوع في كتاب مستقل، ليؤكد أهميته في حياة الناس على مر العصور، وكلما أمعنا النظر في نصوص الشريعة الإسلامية وصفحات التراث الإسلامي وجدنا منهجاً تربوياً إسلامياً حكيماً ينهى عن التلوث والفساد بصوره وأشكاله، ويعول قبل كل شيء على رقابة الضمير الذي يحترم القانون الإلهي لخير الناس أجمعين، وذلك نظراً للتأثيرات السلبية الكبيرة لتلوث البيئة والتغيرات المناخية على الصحة العامة، كما أن المناخ يؤثر بشكل مباشر في العناصر البيئية.

ويشير د. على الله الجمال، من علماء وزارة الأوقاف المصرية، إلى أن اهتمام السابقين بالبيئة يعد تأكيداً على أن العلماء والأطباء والخبراء في زمانهم اجتهدوا لمعالجة قضايا مجتمعاتهم، وهذا جهد مشكور، وكانت لهم إسهامات كبيرة في هذا المجال، ولذلك فإن الخبراء والكتاب والمتخصصين في علوم الأرض والزراعة عليهم أن يبذلوا جهدهم لمعالجة قضايا عصرهم كما اجتهد من سبقوهم في هذا المجال، وضرورة أن يتم توثيق هذه الاجتهادات العلمية والطبية والبيئية في كتب ومجلدات تستفيد منها الأجيال المقبلة، لتكون لهم خطوة في طريق البحث والاجتهاد لمواجهة التلوث والحفاظ على صحة الإنسان.

وإذا كان التراث الإسلامي تضمن العديد من الاجتهادات، فإن العصر الحالي شهد العديد من الجهود التي تقوم بها الدول العربية والإسلامية ودول العالم أجمع، لوضع حد لظاهرة التغيرات المناخية، باعتبارها واحدة من أهم القضايا التي تهدد الحياة، نظراً لارتباطها بالجفاف ونقص الغذاء، كما أن العديد من الأزمات الدولية المعاصرة هي نتيجة للتغيرات المناخية والتلوث.

وهناك جهود كبيرة بذلتها المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي لمواجهة أزمات البيئة، من خلال تضمن الخطاب الديني لقضاياها، والتحذير من التلوث وبيان المخاطر التي تهدد البشرية، والدعوة للحفاظ على النظافة والطهارة، والبعد عن كل الأسباب التي تؤدي إلى فسادها، وبالتزامن مع مؤتمرات المناخ العالمية كانت المؤسسات الدينية تخصص خطب الجمعة للحديث عن هذه الظاهرة، بهدف التوعية وتكثيف جهود المواجهة، والعمل على ترسيخ هذه القيم لدى الناس، وبيان أن الحفاظ على البيئة منهج إسلامي، وذلك بخلاف الكتب والمؤلفات والأبحاث والاجتهادات الفقهية في القضايا المستجدة.

ولذلك فإن عناية الحضارة الإسلامية بقضايا البيئة تعد دليلاً على أنها سبقت عصرها، وكان لها السبق في الكثير من القضايا العلمية، وتميزت وتقدمت في مجالات الطب والهندسة وجميع العلوم، وكانت تتعامل مع المستجدات البيئية والمناخ في عصرها، وكان الخبراء يبذلون كل الجهود للتصدي للأزمات والمشكلات البيئية، ورغم صعوبة البحث وقلة الإمكانات، فإنهم استطاعوا أن يساعدوا على تقديم حلول لأزمات المناخ في عصرهم، وبالتالي ينبغي أن يقوم الخبراء بوضع حلول للقضايا المستقبلية، ولا يقتصر الأمر فقط على دراسة أزمات المناخ في الوقت الحالي، لكن ينبغي الاجتهاد في البحث، ووضع تصورات لأزمات بيئية، والعمل على إيجاد حلول لها؛ لتكون في متناول الأجيال المقبلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrp7yhwf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"