عادي
الذكاء الاجتماعي

فن اللامبالاة

23:38 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
دخل أستاذ إلى القاعة وسأل طلابه: إذا كان معكم 86400 دولار، وسرق أحدهم منكم 10 دولارات، هل ستلاحقونه وأنتم تحملون في أيديكم 86390 دولاراً، أم ستتركونه وتكملون طريقكم؟

جميع الطلبة أجابوا: بالطبع سنتركه ونحتفظ بال 86390 دولاراً. قال: في الواقع معظم الناس يفعلون العكس تماماً، وجميعهم يفقدون ال 86390 دولاراً مقابل ال 10 دولارات!! قالوا: هذا مستحيل! كيف؟ ومن يفعل ذلك؟ فقال: ال 86400 هي في الحقيقة عدد الثواني في اليوم الواحد، ومقابل كلمة مزعجة يقولها لك أحدهم، أو موقف أغضبك في 10 ثوانٍ، ستبقى تفكر في ذلك الموقف لبقية اليوم، وتجعل ال 10 ثوانٍ تُفقِدُك ال 86390 ثانية!

لذا لا تجعل موقفاً أو كلمة سلبية تستنزف طاقتك وتفكيرك وتحبط عزيمتك لبقية اليوم.

تخطّ ذلك؛ لأن الوقت أغلى من المال والثانية التي تمضي لن تعود، فكثير من المواقف لا قيمة لها بالمنطق والحساب! وكثير من الناس ينشغل بها ويجعل لها قيمة والأولى ألا يبالي بها.

فتاة كانت تجلس في حافلة، فتوقفت الحافلة ودخلت امرأة وجلست بجانب الفتاة واصطدمت بها هي وحقائبها الكثيرة، رأى رجل المنظر وانزعج وسأل الفتاة: لماذا لم تتكلمي وتقولي شيئاً للمرأة الفوضوية؟ فأجابت الفتاة بابتسامة: ليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل في شيء تافه، «الرحلة قصيرة» وأنا سأنزل في المحطة القادمة..

«الرحلة قصيرة» جملة تستحق أن تكتب بماء الذهب ونعمل بها في تصرفاتنا اليومية، فليس من الضروري أن تكون قاسياً وتجادل في كل شيء لأن «الرحلة قصيرة».!

إذا تنبه كل منا أن رحلتنا في الدنيا «قصيرة» لن نجعلها مظلمة، ملأى بالجدل وعدم العفو عن الآخرين وسوء الخلق وعدم شكر النعم بذلك نكون قد حفظنا جهدنا ووقتنا من الضياع..

هل كسر أحدهم قلبك..؟ كن هادئاً ف «الرحلة قصيرة».. هل خانك أو غشك أو استهزأ بك أحدهم..؟ كن هادئاً ف «الرحلة قصيرة».. ‏

النضجُ الحقيقي هو أن تدرك كيف أنّ معظم الأشياء لا تستحق ردة فعل.

(صفِّ النوايا واذكر الله وترتاح

واللي تشوفه قابله بابتسامة)

(وخلّك وسيع الصدر طيب ومزّاح

ترى الزمن ما يستحق الملامة)

رد الجاهل التجاهل. قال عبد الله بن حبيق:«أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك».

يقول البشير الإبراهيمي:«وقد يسبني أقوام بما ليس فيّ، فلا أقطع عنهم عادة من عوائد البر والرفق، لعلمي أنهم إنما يسبّون غيري بعد أن يلبسوه اسمي، وإن هذا لمن طوابع التربية المحمدية عبّر عنها بجملة:«إنهم يقولون «مذمم» وأنا محمد». ‏قوله صلى الله عليه وسلم:«إنهم يشتمون مذمماً، وأنا محمّد» تحتاجه حين تُبهت بما ليس فيك. دافع عن نفسك مختصراً بمثل قول يوسف، عليه السلام «هي راودتني» وبرّئ ساحتك ولا تُطل النقاش.

كان بوسعه، عليه السلام، وقد أوتي الحكمة والعلم، أن يسبّك ببلاغة وفصاحة جملة تأخذ بقلوب السامعين، لكن الحق غني عن الزخارف والدعاية‏.

قال ابن سينا:

وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسهِ هانت عليه ملامة الجهالِ، ‏لا يضيرك أن يغلبك أحد بالسب والشتم، فهذه محمدة لك، وقد وقع بين الشيخ محمد الخضر حسين وأحد العلماء نزاع في مسألة، فردّ عليه ذلك العالِم وزاد عليه كلاماً أساء به على الشيخ، فأجابه الشيخ إجابة علمية متعلقة بالمسألة ثم قال:«وما زاد على ذلك فغير أهل العلم أقدر عليه من أهل العلم».

‏ومن شعر الإمام الشافعي:

يخاطبني السفيه بكل قبحٍ

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً

كعودٍ زاده الإحراق طيبا‏

فالرد بالتهويل والشتم لا يعجز عنه أحد، وما تخاصم اثنان إلا غلب أفجرهما‏

بصق أحد العلماء في وجه ابن عبدالهادي حين انقطع في المناظرة فردّ ابن عبدالهادي: هذه طاهرة بالإجماع!

‏وإذا أتَتْكَ مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كاملُ‏

وفي محاضرات الأدباء أن رجلاً شتم حكيماً فقال الحكيم:

«اسكت فلست أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب».

‏وكذا قال تقي الدين الهلالي في ردوده على بعض مخالفيه:

«وهم يجمعون بين الشتم والعلم فأترك الشتم وأرد على العلم»

‏وكقول الأول:

أغرّكمُ أنّي بأكرم شيمةٍ

بصيرٌ وأني بالفواحش أخرقُ

وأنك قد ساببتني فغلبتني هنيئاً مريئاً أنت بالفحش أحذق

فن اللامبالاة خلق العظماء وسر الناجحين، فتحلَّ به لتسلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryr7pj9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"