الذاكرة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
  • من ذاكرة سلمان الصفواني في كتابه «محكوميتي»، وهو مجموعة رسائل بعث بها إلى زوجته حين كان نزيلاً في أحد سجون بغداد في الثلاثينات من القرن العشرين، يقول: «.. فقد كنّا في طريقنا بين مكة والمدينة، وكانت القافلة تسير خَبَباً إلى جبل الغائر. وفي طليعة القافلة ناقة أصيلة يسمّونها «الجيداء» أو الجيّدة، والجيداء تدل على الدرب، وكان يقودها ويداريها شاب بدوي اسمه حرب، وكنت كلما مللت ركوب «ذلولي» ترجّلت عنها، وهرولت فوق الصخور إلى حرب وقويت عناصر المعرفة بيني وبين الشاب البدوي فأحبّني كثيراً، وأحب كذلك، سجائر «ماتوسيان» التي كنت أدخنها، وهي سجائر مصرية كثيرة الشيوع في الحجاز آنذاك».
  • أيضاً، من ذاكرة الروائي مصطفى خليفة في كتابه «القوقعة» الذي جاء على شكل يوميات لكنها ملضومة في سياق سردي واحد.. يقول بطل الرواية وهو شاب مسيحي سجين: «بقيت قابعاً في قوقعتي (يقصد زنزانته) أتلصّص على الداخل والخارج، داخل المهجع وخارجه، ولكن مع مرور الأيام قلّ اهتمامي بكثير من الأشياء نتيجة لمعرفتي التامّة بها.. حفظت القرآن جيداً، ولطالما رددت بشكل عفوي آيات وسوراً طويلة منه. حفظت الصَّلَوات كلّها حتى الطارئة منها كصلاة الخوف، صلاة الجنازة، صلاة التراويح. استمعت إلى خلافات الجماعات المختلفة حول الأحكام الشرعية.. آلية تفكيرهم، ردود أفعالهم، طموحاتهم، آمالهم، لكل هذا لم أعد أركّز ذهني كثيراً عندما أنظر من خلال فتحة القوقعة».
  • الذاكرة خزّان لغة، وصور، وألوان، وروائح، ووجوه، وأشباح، وطرقات، وأسلحة، وخبز، ونساء، وأسفار.. الأسفار بمعنى الرحيل من مكان إلى آخر، والأسفار بمعنى الكتب..

* * *

- أجمل الذاكرات تلك التي تتحوّل إلى كتب..

  • تقول الفنانة الأمريكية الراقصة إيزادورا دونكان (1877-1927) في ذاكرتها التي تحوّلت على شكل ناعم من أشكال السرد جمعته في كتاب أطلقت عليه عنوان «حياتي». تقول «أنا عدوّة للباليه، وأعتبره فناً زائفاً ومنافياً للطبيعة السوية، في الحقيقة أعتبر الباليه خارج حدود الفن كليةً». وفي مكان آخر تقول «صرت أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن مدرسة الباليه الإمبراطوري هي نوع من الردّة عن الطبيعة والفن».
  • في مقابل الذاكرة، هناك فقدان الذاكرة، حيث كل شيء أبيض. لا حاضر ولا ماض، ولا مستقبل. شيء كالطلسم أو المتاهة أو الغيبوبة.
  • هل صحيح أن الألمان في العهد النّازي كانوا يمحون ذاكرة سجنائهم بأن يجلسوهم في جماعات أمام شاشات بيضاء تماماً بلا أي لون أو نقطة أو خط غير الأبيض، وبعد أن يحدّق السجناء على مدى شهور في هذه الشاشات البيضاء، يفقدون بالتدريج ذاكرتهم إلى الأبد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mr4zzjs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"