بلقزيز ونهاية المثقف

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

منذ عدة أيام كرّمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» الكاتب والباحث المغربي عبد الإله بلقزيز رمزاً للثقافة العربية للعام الجاري 2024، وبلقزيز من المثقفين المهمومين بالعديد من القضايا الفكرية ذات العيار الثقيل، مثل: التقدم والنهضة والعقل العربي؟ أي تلك القضايا التي تنتمي إلى حزمة الأفكار الكبرى التي مثلت تحدياً معرفياً بالنسبة للعرب على مدار قرنين من الزمان، منذ مدافع نابليون وحتى عقد مضى من الزمان، حيث توقف معظم محللينا عن طرح ونقاش هذه القضايا.

فوز بلقزيز مناسبة لاستعادة واحدة من أهم أطروحاته والتي ناقشها في كتابه «نهاية الداعية.. الممكن والممتنع في أدوار المثقفين»، والكتاب صادر في نهاية حقبة التسعينات من القرن الماضي، تقريباً عام 2000، وهو يأتي إسهاماً من بلقزيز في نقد ومراجعات طويلة للمثقف: تكوينه وأفكاره وأدواره، وهو يعبّر عن حقبة شهدت سلسلة نهايات لأفكار كبرى: نهاية الأيديولوجيا.. موت المؤلف.. موت الناقد.. الخ، وينتظم في مناخ عربي ردد آنذاك هذه الأطروحات، حيث كان الكثيرون من مفكرينا يُنظّرون لتلك القضايا، منهم علي حرب في لبنان ومحمد عبدالله الغذامي في السعودية، وما زلت أتذكر غلاف أحد أبرز أعداد مجلة «الآداب البيروتية» والمعنون ب«موت المثقف».

في كتابه كان بلقزيز يوجه النقد اللاذع للمثقفين، فهم انقسموا إلى ميلشيات لا همّ لها إلا الاقتتال اليومي، بما أشعل ما يشبه الحرب الأهلية الثقافية، خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فضلاً عن رصد سمات لصيقة بالمثقف العربي، فهو يسند إلى نفسه دور الداعية وبالتالي يصادر الفعالية السياسية للجمهور، أما عندما يتحول إلى مثقف شعبوي فهو يقدم استقالته الفكرية، أي أن بلقزيز ينتقد وجهي المثقف: النخبوي والشعبوي، ويستمر النقد القاسي أحياناً، فنمط المعرفة التي أنتجها معظم مثقفينا وثوقي توكيدي، وهؤلاء لا نكاد نعثر في أعمالهم على كتابة نظرية بالمعنى الصحيح، أو كتابة تجنح نحو التجريد؛ بل ويدعو بلقزيز الكثيرين منهم إلى تقديم استقالتهم الفكرية، وبعض المثقفين الآخرين أدخلونا في «كربلاء ثقافية» لا نهاية لها، وفريق ثالث تميز ب«التسيس» الفج للأفكار.

لقد كانت مراجعات بلقزيز شاملة لمقولات المثقف ووظائفه، وتميزت بالجرأة، لكن ألا تحتاج اليوم، بعد مرور حوالي ربع قرن إلى مراجعات؟

لا يعود نقد بلقزيز وغيره للمثقف إلى أزهى مراحلنا الفكرية العربية، لكن إلى فترة اعتبرها البعض متراجعة قياساً بالأربعينات أو الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي، ومع ذلك، فإن هذه الفترة متقدمة جداً عما نعيشه الآن من صمت ثقافي واستقالة فكرية ملموسة للعقل، استقالة ليست تنبئية أو تنظيرية، لكنها حقيقية ومؤثرة.

إن النقد اللاذع الذي قدمه البعض للمثقف «الكلاسيكي» يستدعي بدوره الآن مراجعات تُقيّم «هذا المثقف» مقارنة بنخبة شكلتها، ولا تزال، مواقع التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من أخطاء وخطايا مثقفنا «الكلاسيكي» فإن العقل لم يعش يومياً ذلك الزمن الذي يصفه البعض بالرداءة أو التفاهة، وإذا كان التاريخ يسير إلى الأمام، بمعنى أننا لا نستطيع إعادة أدوار منتهية الصلاحية إلى أصحابها، فإن بإمكاننا تقييمهم بموضوعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zuxxjbc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"