كتاب الأغاني العربي والصيني

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قصة كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني في حدّ ذاتها يبنى عليها رواية بطلها كتاب، وهناك الكثير من الكتب التي كانت موضع سرديات روائية عربية وأجنبية. ولعلّك تتذكر هنا رواية «اسم الوردة» للإيطالي أمبرتو إيكو التي تقوم في أجزاء منها على الحريق الذي يودي بمكتبة الدير فضلاً عن حوادث القتل التي تجري ليس بعيداً عن المكتبة بظلالها الغامضة التي تتماثل أيضاً مع الغموض الذي كان يلف موضوعات الكتب في الرواية.

أمضى أبو الفرج الأصفهاني (توفي 356 هجرية) نحو خمسين عاماً في تأليف «الأغاني»، وجاء في تاريخ هذا الكتاب أن الأصفهاني أهداه إلى سيف الدولة الحمداني الذي نفحه ألف دينار، غير أن المؤلف في حقيقته، كما يبدو من هذا الجهد البحثي العظيم، لم تكن غايته المال، بل كان يريد توثيق أصوات زمانه، وما تلك الأصوات سوى الأغاني، أغاني عصره وعصور شعراء نهض الغناء على قصائدهم التي هي أيضاً أصوات زمن كان فيه الشعر «أغنية» كما هو تاريخ ووثيقة.

ولكن، من أين جاءت فكرة هذا الكتاب الحيّ إلى اليوم في ثقافتنا العربية، اللغوية، والجمالية، والحكائية، إذا اعتبرنا أن كتاب الأغاني هو أيضاً كتاب حكايات؟ أتكون فكرة الكتاب وردت إلى الأصفهاني من الصين؟ هذا ما يتبادر إليك، وأنت تقرأ الموجزات التاريخية الواردة في كتاب تاريخ الثقافة العالمية، وهو من منشورات «كلمة» 2014، وترجمة عماد طحينة، ذلك أنك ستعثر في هذا الكتاب على المعلومة التالية: في القرن السادس قبل الميلاد وضع المؤلف الصيني شي تشنغ كتاباً بعنوان الأغاني، وهو أيضاً جمع لأغاني الحقبة الزمنية الصينية التي عاش خلالها تشنغ، وكان الغناء آنذاك يشكل مكوّناً مهماً من مكوّنات الثقافة الصينية، وكذلك الموسيقى.

هل اطلع الأصفهاني على مؤلفات في الأدب والتاريخ والموسيقى تعود إلى حضارات آسيوية أيضاً ليست بعيدة عن الآداب والفنون الصينية؟ مهما تكن الإجابة عن هذا التساؤل الافتراضي، فإن ما هو مؤكد أن الثقافة العربية منذ جذورها التاريخية لم تكن ثقافة انغلاق وتحيّز وجمود، بل هي دائماً ثقافة انفتاح وحوار وتبادل معرفي وعلمي وجمالي الأساس فيه اللغة العربية التي كتب بها، بل وفكّر بها مئات العلماء المسلمين غير العرب، وكانت جذورهم تعود إلى آسيا والصين.

اليوم، نعيش زمن الانفتاح على لغات العالم كلّه، واللغة العربية مؤهلة ثقافياً وتاريخياً لهذا الانفتاح الذي يتمثل بالدرجة الأولى في ثقافة الترجمة وآفاقها الدولية، وفي الإمارات، بشكل خاص، تتسع دوائر الترجمة من لغات العالم إلى العربية، ومن العربية إلى لغات العالم في إطار ظاهرة ثقافية حقيقية تمتاز بها دولة الإمارات التي وازنت بموضوعية أدبية وثقافية بين لغات وثقافات الشرق والغرب، وحوّلت بالفعل مصطلح «حوار الثقافات» إلى واقع عملي على الأرض، وفي مؤسسات الثقافة والتعليم والمعرفة، وأولى هذه المؤسسات تلك المعنية بالترجمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dy5kk72

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"