مفارقات مقارنات المناهج

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يستطيع المعنيون، واضعو مناهج العربية، أن يقنعونا بأن المقرر يجعل مُهج الطلاب فراشات ترفرف ابتهاجاً لألغاز النحو والصرف؟ يقيناً لن تُحل المشكلة من دون مصارحة. المقترح بسيط وسهل التنفيذ: أغلب الظن أن الجهات المعنية لم يسبق لها، أو لم يخطر على بالها، التفكير في أسباب إخفاق العالم العربي في تدريس لغته. محال أن ينصرف ذهن عاقل إلى أن الزمان فسد، أو أن الأجيال وقعت في جبّ عميق، ذي قرار سحيق، فلم تعد قادرةً على الارتقاء إلى القمم اللغوية التي كان القدامى يتربعون عليها.

الظاهرة تلوح، لا قدّر الله، خارجةً عن السيطرة، لكن معاذ الله أن سوء الظن إلى حدّ تصور عوامل من خارج العالم العربي. الذين يرون أن الشك يؤدي إلى اليقين يسألون، وهو حق مكتسب: هل فكّر العرب في انعكاسات تداعي أحجار «الدومينو» والانهيارات المتتالية للبلدان، على اللغة العربية؟ هل فكّر المفكرون والمثقفون في آثار تفشّي العامّية في الفضائيات، وكيف أنها بلا ريب على حساب الفصحى؟ هل أنجز الأدباء والنقاد واللغويون تحديداً بحوثاً ودراساتٍ لتواري تعددية الأساليب وتنوع جمالياتها؟ هل الظاهرة مجرد تطور طبيعي ناجم عن تحولات العصر والزمان؟

في القرن العشرين كان الطلاب كالنحل يلثمون الرحيق من رياض الأزاهير، نفحات لا تحصى من عبير وعبق وعطر وشذا وأريج للأساليب بلا حدود: الرافعي، طه حسين، الزيات، أحمد أمين، المازني، العقاد، المنفلوطي... لكن، حذار المبالغة، لا تقل مثلاً: لم يعد ينقصنا غير أن نضمّ الأساليب الجيدة إلى العملات الصعبة ونقيم لها بورصة.

لا ينصرفنّ الذهن أيضاً إلى أن في كواليس السطور إشارات شزراً إلى الخلل الرهيب في تدريس لغتنا، فبمجرد نشأة علوم العربية، في القرن الثاني الهجري فصاعداً، ظهرت عبقريات لغوية غير عربية، من أقطار غير عربية، وأبدعت أروع ما في مكتبتنا في النحو والصرف والبلاغة. العربية لم تكن لغتهم الأمّ. سيبويه كان فارسيّاً، ابن جني كان روميّاً، يونانيّاً أو بيزنطيّاً، الزمخشري، صاحب أكبر تفسير بلاغي، كان من تركمانستان اليوم، والمئات. هل كان تدريس العربية أفضل من المناهج في زماننا؟ إن كانت كذلك، فنعم التقدم اليوم، وإن قيل إنها كانت بدائية، فالمصيبة أعظم.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاختبارية: لكي يكون أصحاب القرار على بيّنة، لا مفرّ من إجابة المناهج عن السؤال الحرج: لماذا يخفق العرب في تدريس لغتهم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/h54r9k3y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"