عادي
صيفنا قراءة

حسن النجار: الكتب تعيدنا إلى إنسانيتنا

22:33 مساء
قراءة 4 دقائق
حسن النجار

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يقول الشاعر حسن النجار: «يُطِل علينا الصيف كعادته فرصة لترميم ما فاتنا في أيام ازدحام العمل المتراكم، كما أنه متنفّس يأخذ بأيدينا إلى الركون لما نحب، حيث تمر على القارئ طيلة العام فترات يشعر فيها بتراجع مستواه القرائي، ومن مظاهرها أنه يكدّس الكتب أمامه، وقد قرأ شيئاً يسيراً منها، بينما أهمل البقية، لأسباب عدة، منها: التفكير في أعباء العمل، والمزاج القرائي الذي يتراوح بين مَدٍّ وجَزر، وعدم صوابية اختيار الوقت المناسب لكل كتاب، وعدم الوضوح في توجيه القراءة لمسار معين».

  • مزاج

يعترف النجار بأنه يعيش ذلك التراجع القرائي طيلة فصول السنة الأخرى، إلا أنه يبدأ بتغيير عاداته اليومية مع بداية فصل الصيف، مستغلاً سعة الوقت في ما يمكنه من تنظيم برنامجه للكتابة والقراءة، ومراجعة الذات، فعلى سبيل المثال، استكمل خلال شهر يونيو/ حزيران من هذا العام قراءة كتابين جديرين بالمطالعة، الأول: «مسألة موت وحياة» للكاتب إرفين د. يالوم، وزوجته مارلين يالوم، والثاني: رواية «ألف شمس ساطعة» للكاتب الأفغاني خالد حسيني.

ويرى النجار أن إتمامه لقراءة هذين الكتابين في أول أشهر الصيف يشير إلى بداية استعادته لمزاجه القرائي، فذلك هو الانطباع الذي يُخلفه إتمام قراءة كتاب يستحق القراءة حقاً، لما له من قوة أثر في النفس، ويضيف: «إن قراءة الكتب المؤثرة تغيّرنا، وتهذّب طبائعنا، وتعيدنا إلى إنسانيتنا التي تتسرب مع الزمن والحياة المتسارعة، وتعطينا الكثير من المتعة المفقودة، وهي مصافحة ولقاء بيننا وذواتنا، فماذا كنا نصنع لولا القراءة؟».

وعن نوعية الكتب التي يفضل قراءتها يقول النجار إن أكثر ما يستهويه في القراءة هو دواوين الشعر بشتى صنوفها، سواء كانت عربية، أو مترجمة من اللغات الأخرى، حيث يبحث عن القصيدة الجيدة، من دون أن يفرق بين أنواع الشعر: العمودي، والتفعيلة، وقصيدة النثر، إضافة إلى الروايات، لما تمثله من متعة السرد، والتخييل، والتشويق، وجمال اللغة، والمعالجات التي تبْسُط لنا واقع الحياة الإنسانية بمختلف تناقضاتها، كما يقرأ من حين لآخر كُتباً في بقية المجالات المعرفية.

  • تجربة

يوصي النجار القراء بمطالعة الكتابين الآنفين، في الإجازة الصيفية، حيث يقول إن كتاب «مسألة موت وحياة» هو عبارة عن سلسلة مقالات متبادلة بين زوجين عالمين، أحدهما في مجال الطب النفسي، والآخر في مجال اللغويات، وقد أطل شبح الموت على الزوجة من خلال المرض الخبيث، حيث استشعرت ب أن نهايتها باتت وشيكة جداً، فاقترحت على زوجها - بعد أن قضيا العمر في تأليف كتب مفردة في تخصصاتهما - أن يُلخِّصا تجربة حياتهما في صفحات كتاب، ليعيش القارئ معهما تلك اللحظات الأخيرة الآيلة للغروب، بتحدياتها، وآلامها، وبصيص الأمل الذي ينفذ من بين شقوق الوجع الحاضر، وتتلخص فكرة الكتاب في هذا الاقتباس الوارد فيه: «إننا نشكل زوجاً جيداً؛ فأنا مصابة بالسرطان، وهو يعاني مشكلات في القلب واضطراب التوازن، عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة»، ومما لفت نظر النجار في هذا الكتاب؛ فكرةُ التخفّف من الأشياء في آخر العمر، التي تجلت في عدة تصرفات، منها توزيعهما للكتب والمقتنيات على الأقرباء والأصدقاء، كما أن الخوف من الفقد كان الثيمة الأبرز في الكتاب، إذ ظلّت أحاديثهما في لحظات تدوينه تدور حول التأهب للفقد، والرحيل، وما يمكن أن يكون بعد كل ذلك.

وقد واجه الدكتور يالوم إحدى مريضاته في جلسة علاجية بسؤال: «ما هو أكثر شيء تخافينه في الموت؟» فأجابت: «كل الأشياء التي لم أفعلها»، وفعلاً، تظل الأشياء التي نود فعلها شاخصة أمامنا، ونخاف أن تأتي ساعتنا ولم ندرك الكثير مما فاتنا.

أما رواية «ألف شمس ساطعة» للكاتب الأفغاني خالد حسيني، فهي رحلة داخل البيوت الأفغانية، والصراعات والأفكار التي تلقي بظلالها على تفاصيل الحياة هناك، وكيف للعمر أن يعبر من دون مصافحة حقيقية للحياة، بين بؤس في المعيشة، وصراع مع الحروب، والأكثر مرارة وسوءاً هو ألا يأتي البؤس والصراع من الخارج، بل أن ينبثقا من تحت سقف المنزل، وهي رواية متتابعة الأحداث، بشكل تصاعدي، وتنتقل من حبكة إلى أخرى، وتنقل القارئ في رحلة عبر مستويات البؤس الإنساني، وكيف يمكن للمرء أن يتحول إلى مجرد أداة بين أيدي الآخرين، لا يمكنه تقرير مصيره منذ وعيه الأول، وحتى غيابه الأخير، فهي بمثابة صفعة لكل من يضع إنسانيته جانباً، وقد تناولت الرواية المرأة بوصفها الحلقة الأضعف، والضحية الأولى في الحروب والصراعات، والفهم الخاطئ للدين.

  • لحظات

أما عن طقوس الكتابة في الصيف، فيقول الشاعر حسن النجار: «ليست لدي طقوس محددة - بحكم كتابة الشعر - فالقصيدة هي التي تحدد وقتها، وتفرض التفرغ لكتابتها، وقد تأتي في أي مكان، فقد أكون في لحظة انشغال وأستقطع من الوقت ما أبدأ فيه كتابتها على ورقة، أو في مفكرة الهاتف، وقد أكملها في ذلك الظرف الزماني والمكاني، وربما أكملها بعد ذلك في مكان آخر، فأهم ما تتطلبه كتابة القصيدة هو صفاء الذهن والتركيز لكي تتوفر شروطها الإبداعية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kah3jvm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"