حرب لا تنتهي

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

بعيداً عن المواجهات المسلحة والدبلوماسية في أرجاء العالم، تتواصل حرب من نوع خاص تتصل بوعي الأجيال الجديدة، خاصة في منطقتنا التي تصرّ جماعات وأطراف عدة على أن تبقيها في دائرة الاضطراب والقلق على الحاضر والمستقبل، ومن أدوات ذلك جرّها إلى الماضي بحجة الانتصار لآراء ومعتقدات يُزعم أنها الأحق بالسيادة على ما سواها.

وعي الأجيال الجديدة تحديداً محور معركة ضروس في هذه الحرب التي تأخذ أشكالاً عدة وفق المراحل الزمنية المتعاقبة وتواكب كل التحولات السياسية والتقنية بتصميم على مصادرة ما تستطيع من عقول لتبقيها في دائرة الأفكار الضالة والمنحرفة التي يهون معها الدين، رغم أنه متكأ من يُلبسون الحق بالباطل، والوطن، والإنسان.

هذه الحرب الطويلة لا تجد لها في أغلب الأوقات أثراً على الشاشات يحصي قتلاها والجراح التي تتركها في نفوس الأفراد والأوطان، إلا إذا استهدفت بلداً ضعيفاً مفككاً وأدخلته في نار الفرقة والاحتراب. في الغالب، ضربات الجماعات الواقفة خلف هذه الحروب، تحريضاً وتمويلاً وجنياً للنتائج، تنفذ من النقاط الهشة في المجتمعات، وأولها العقول المهيأة للإغواء والاستلاب، رغم أن كل دروب الاستنارة معبّدة أمامها.

والهشاشة لا تظهر إلا حين يفرط أي بلد في مقومات مناعته، وأهمها وحدة مكوناته، على تنوعها واختلافها، فبغير هذه الوحدة تتشتت الأهداف وتتعدد الرايات ويمضي كل فريق في طريق الانحياز الكامل لما ينتمي إليه، اجتماعياً وعقدياً، فينفرط معنى الوطن الجامع، ويصبح التنوع وبالاً.

من هذا الجانب تحديداً، تبدأ جماعات الضلال رحلتها وتجتهد في اختطاف العقول الغضة لتغذيها بمعانٍ للدين والوطن والانتماء والإنسانية غير التي يتفق أغلب البشر على صلاحها. وتربّي كل جماعة من تختطفهم على أنهم الناجون، بينما الأغيار، وقد يكونون إخوة أو جيراناً، لا عصمة لهم إلا بالانضمام إليهم.. أو يقتلون، معنوياً ومادياً.

وما يثير العجب أن عقولاً يفترض أنها مكتملة بالعلم والخبرات وخيرات أوطانها تصبح صيداً سهلاً، فتطوّع كل ملكاتها للخروج على الوطن والتحريض على الكفر بقيمه وروابطه. وللأسف أن أصحاب هذه العقول تكون جرائمهم أكبر، وخسائرهم أفدح، ما يصعّب عليهم التوبة.

أما الأجيال الجديدة، الهدف الدائم لهذه الحرب، فلا تجوز الغفلة أبداً عنهم، ولا تركهم أسرى اللايقين أو الأفكار المتضاربة التي تأتيهم من كل اتجاه ليكون خيارهم الأول والدائم هو الإنسانية، وهي تعني فهماً صحيحاً للدين والمواطنة، يتبعه قبول لأي مختلف بما يخرجه من خانة الاستباحة أو العداوة.

هذه الأجيال أمام مصادر لا تحصى للمعلومات والآراء، لكنها لا تستطيع وحدها تكوين معرفة تصمد أمام محاولات التزييف والتخريب، خاصة في أوقات الاضطراب والتحولات التي يشهدها العالم وتكون فرصة لترويج بضاعة جماعات الضلال.

تفرض هذه الحرب المستمرة تكامل الأدوار، وسد الثغرات بتربية منفتحة تغرس المعاني الصحيحة للأشياء، يعززها تعليم لسبل إدارة الاختلاف، وإرشاد ديني لا يرهبه المضلّون، وقانون لا يغيب أبداً ولا يتهاون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4e36phhu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"