عادي
صدر في الشارقة

«فضاءات النص الإماراتي»..السرد مرآة المجتمع

22:34 مساء
قراءة 5 دقائق
أحمد الزعبي

الشارقة: علاء الدين محمود

كثير من المؤلفات التي تناولت، بشكل نقدي، البيئة في الإبداع الأدبي الإماراتي، وكيف تعامل المبدعون مع مفرداتها المتعددة والمتنوعة، خاصة ثنائية البحر والصحراء، ولعل كتاب «فضاءات النص الإماراتي... دراسة تطبيقية»، للكاتب الأردني د. أحمد الزعابي، الصادر في طبعته الأولى عام 2005، عن دائرة الثقافة في الشارقة، وهي واحدة من المؤلفات التي حاولت الغوص عميقاً في موضوع البيئة والمتغيرات في الدولة وانعكاسها في أعمال أدبية روائية وقصصية.

المؤلف يتناول الكتابة الإبداعية الإماراتية، في رصدها للمتحولات والمتغيرات الاجتماعية، وأثر مفردات البيئة في توجهات المؤلفين، ويطبق الكتاب ذلك من خلال العديد من النماذج الروائية والقصصية التي قام بتأليفها كتاب من أبناء وبنات الدولة، وهي نصوص بمثابة شهود على العصر، حيث اكتسبت الحياة الاجتماعية نمطاً جديداً بعد تحولات كبيرة على المستويات الاقتصادية والعمرانية كان لها أثرها في ولادة مجتمع جديد، وبالتالي أدب يرصد الأثر النفسي والحياتي، كما أن الكتاب يمسك بالثنائيات التي كان لها وجوداً ملحوظاً في المؤلفات الإبداعية، مثل الصحراء والبحر، عالم ما بعد النفط وما قبله، الماضي والحاضر.

  • تحولات

يوضح الكتاب أن أدباء الإمارات قد ركزوا في كتاباتهم الإبداعية على مرحلتين رئيسيتين في حياتهم وفي حياة مجتمعهم ووطنهم: الأولى هي ما قبل اكتشاف النفط، والثانية ما بعد ذلك، وكانت صورة المرحلة الأولى؛ قاسية مريرة، ولكنها أقل تعقيداً من الفترة اللاحقة، أما الحقبة الثانية فقد كانت مرحلة تحولات وتطورات سريعة نحو البناء والعمران والثراء وتحويل الصحراء إلى مدن عصرية، تواكب ركب الحضارة وتتفاعل معها في أغلب المجالات، إلا أن هذه المرحلة حملت معها أيضاً همومها وتعقيداتها ومشكلاتها، وتركّز قلق الأدباء في كتاباتهم على تراجع بعض القيم والأنشطة الاجتماعية أمام سطوة الماديات ومغريات الاستهلاك، إلى غير ذلك. وركز الأدباء في المرحلة الأولى على عالم البحر والصحراء وما عاناه ذلك الجيل من أخطار وآلام من ركوب البحر طلباً للرزق، وكذلك أوجاع ومرارات جفاف الصحراء وقسوة الطبيعة وشظف العيش كما ركزوا في المرحلة الثانية على عالم الانفتاح والتطور والتكنولوجيا وتغير القيم والمبالغة في المظاهر.

الكتاب يقع في 198، صفحة من الحجم الصغير، وتكثر فيه العناوين، ويشتمل على فصلين، الأول حول القصة القصيرة، ويتناول فيه المؤلف بعض النصوص مثل: «الشقاء»، للكاتب علي عبد العزيز الشرهان، و«العويد»، لناصر الظاهري، و«حقل غمران»، لسعاد العريمي، و«حمود»، لإبراهيم مبارك، و«فيروز»، لمريم جمعة فرج، و«النشيد»، لسلمى مطر سيف، و«في المشرحة»، لمحمد المر، و«شيء ما في غير مكانه»، لناصر جبران، و«جرثومة»، لأسماء الزرعوني، و«تحولات»، لمحمد حسن حربي، و«هواجس لشيخة الناخي»، و«ليس إلا»، لفاطمة محمد، و«الأعمى والفأر»، لحارب الظاهري، وغير ذلك من النصوص القصصية التي تمثلت مواضيع مثل صور الصحراء، وعالم ما قبل النفط، وثنائية الموت والحياة، والاغتراب..الخ.

  • أنشودة

الفصل الثاني مخصص للسرد الروائي، وكيف عبر المؤلفون في مجال هذا الشكل الإبداعي عن الإنسان، وعن المجتمع ككل، إذ تمتلك الرواية خاصية البراحات والاسترسال في التعبير، وهي شديدة الالتصاق بالقضايا المجتمعية، ويشتمل هذا الفصل الثاني على موضوعين وهما: «ثنائية الذات الواعية والتمرد الفردي»، و«الصراع بين شفافية الحلم وتصدعات الواقع».

وفي ما يتعلق بالموضوع الأول، يختار الكتاب نص روائي لعلي أبو الريش بعنوان «نافذة الجنون»، ويرى المؤلف أن هذا النص متميز على الصعيدين الفني والموضوعي، حيث إن السرد مكتوب بلغة شعرية فيه إدهاش وغنائية وتأثير جعل من الرواية أنشودة مأساوية أو مرثية للذات الواعية، إنها رحلة بحث عن الحب والرقي والحضارة الحقيقية.

كما يلفت الكتاب إلى أن الرواية من أولها إلى آخرها، هي عبارة عن رحلة في ذاكرة الراوي - بطل الرواية - وحوار داخلي عميق واختار المؤلف التقنية الأنسب لتجسيد هذا الحوار وهي تنتمي إلى أسلوب تيار الوعي، حيث أتاح هذا الأسلوب أن يتنقل الراوي بحرّية عبر أزمنة وأمكنة متباعدة متداخلة يربط ما بينها خيط نفسي واحد هو تصدع ذات البطل الواعية، وحيث تتيح هذه التقنية حرية في حركة الذاكرة الصاخبة وتداعياتها وتجلياتها بلغة شعرية غنائية رثائية فجرت طاقات اللغة الفنية وجمالياتها التعبيرية والتشكيلية، كما أن الرواية تحمل تشخيصاً دقيقاً وتشريحاً واعياً لأهم إشكاليات المجتمع العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.

  • حلم وواقع

في ما يتعلق بموضوع «الصراع بين شفافية الحلم والواقع»، في الفصل الثاني، فإن الكتاب يتخذ نموذجاً تطبيقياً من رواية «حلم كزرقة البحر»، للكاتبة أمنيات سالم، والتي تقدم في هذا العمل صورة حزينة أليمة لفتاة دون العشرين من عمرها، تحمل أحلاماً شفافة جميلة، لكنها تنهار جميعاً بسبب تحولات الواقع و وتغترب هذه الفتاة عمراً طويلاً لتكتشف أن أحلامها في مرحلة صباها قد تبددت وضاعت بسبب قسوة ما واجهته في واقعها، وجاءت الرواية على شكل شريط من الذكريات التي تستعيدها البطلة بعد مرور أكثر من عشرين عاماً، وتغطي هذه الاسترجاعات والذكريات مراحل الطفولة والمراهقة حتى نهاية المدرسة الثانوية والوقوف على أبواب الجامعة.

وتستعيد الرواية، الأحداث الماضية بعين الفتاة أو المرأة الناضجة، بحيث تدرك الآن أبعاد تلك المراحل وأحلامها وأخطاءها وصوابها، وهي أمور لم تكن تدركها بعمق وفهم في حينها، فبعد أن تمر السنون وتكبر الراوية وتغترب وتشعر بالوحدة والحنين إلى الماضي زماناً ومكاناً، تبدأ باستعادة الذكريات التي تشعر في هذه اللحظة بأنها ما تبقى لها من منفى الذات المنعزلة وغربة النفس وخوائها، بعد أن ضاعت الأحلام والذكريات والأحبة والأهل والأصدقاء، وتبدأ بمناجاة الذات هروباً من جفاف واقعها الذي يتميز بالانتظار اللامجدي، وتعيش باحثة عن ذكريات تلاشت عبر الأزمنة والفراق والارتحال.

  • تنقيب

لعل أكثر ما يميز الكتاب كدراسة تطبيقية، ذلك الفعل التنقيبي في الأعمال السردية الإماراتية، في مجالي الرواية والقصة، برافعة النقد والبحث، وذلك يعود للخبرة الأكاديمية للكاتب أحمد محمد الزعبي، من مواليد 1949 في الأردن، وهو أستاذ الأدب الحديث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وهو إلى جانب كونه ناقداً وباحثاً فهو كاتب روائي وقصصي، ومن أهم مؤلفاته النقدية «دراسات نقدية»، و«في الإيقاع الروائي»، و«سلطة الأسلوب»، «مقالات في الأدب والنقد العربي والغربي»، و«التيارات المعاصرة في القصة القصيرة»، و«التناص: مقدمة نظرية مع دراسة تطبيقية».

  • اقتباسات
  • «تمثل الصحراء حلماً جميلاً على قسوته وبدائيته».
  • «قدم الأدباء صورة رامزة مؤثرة للحنين إلى الماضي».
  • «كانت الحياة بسيطة والعلاقات دافئة والهموم محدودة».
  • «مرحلة ما بعد النفط جسدت الحياة والخلاص من قسوة الصحراء».
  • «تغلب الناس على صعوبة الحياة بالعمران والتطور».
  • «البحر أزرق شاسع لا حدود لغوايته».
  • «لا مفر من الصحراء إلا إلى الصحراء».

برعاية: دائرة الثقافة

الناشر: هيئة الشارقة للكتاب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56ykhe54

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"