عادي

«خطة الخداع» الأوكرانية في كورسك.. وتفاصيل الرصد الروسي

17:34 مساء
قراءة 5 دقائق

إعداد ـ محمد كمال
في الوقت الذي تواصل أوكرانيا مقامرتها عالية الخطورة داخل الأراضي الروسية، وسيطرتها على عدة بلدات في مقاطعة كورسك، فقد تكشفت معلومات غير مسبوقة حول عملية الاقتحام، والتي من بينها طريقة الخداع التي اتبعتها القوات الأوكرانية، والأسباب التي دفعتها لعدم إخبار الولايات المتحدة بالعملية قبل بدء تنفيذها في السادس من أغسطس/آب، إضافة إلى مفاجأة حول مدى علم الأجهزة الروسية بالتخطيط للهجوم.

ـ روسيا رصدت المخطط 
وعلى شاشة التلفزيون الرسمي الروسي، صرح أندريه جوروليوف، العضو البارز في البرلمان والضابط السابق رفيع المستوى في الجيش بأن «تقريراً تم تقديمه إلى القيادة العسكرية الروسية قبل شهر تقريباً من الهجوم مفاده أنه « تم اكتشاف القوات (الأوكرانية) وأن المعلومات الاستخبارية تشير إلى استعدادات لهجوم».
وأعرب جوروليوف عن أسفه قائلاً:«لكن من الأعلى جاء الأمر بعدم الذعر، وأن من هم في الأعلى يعرفون أفضل»، وفقاً لما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز».
ويبدو أن التوقع بشنّ أوكرانيا لهجوم مباغت كان منخفضاً، نظراً لأن ذخيرة الألوية الأوكرانية كانت على وشك النفاد. وحتى مع بدء وصول أسلحة جديدة من الغرب، سيطرت معنويات شبه قاتلة على العديد من الجنود الأوكرانيين، حيث كانوا يخسرون المزيد من الأراضي في الجبهة الشرقية.
وقبل ظهر يوم 6 أغسطس/آب، قالت السلطات الروسية إن نحو 300 جندي وأكثر من 20 مركبة قتالية مدرعة و11 دبابة من اللواء الميكانيكي الثاني والعشرين الأوكراني عبروا إلى البلاد. لكن تلك التقارير الأولية لم تلق اهتماماً روسيّاً واضحاً، ولم يعتقد الكثيرون أن مثل هذا التوغل له أي معنى تكتيكي.

ـ طريقة الخداع 
وعن الطريقة التي تم من خلالها تحقيق الخداع وعنصر المفاجأة، قال نائب قائد أحد الألوية الأوكرانية اللفتنانت كولونيل أرتيم، إن كييف قامت بخلط أجزاء من الألوية في منطقة سومي على الحدود مع كورسك الروسية، بحجة التدريب والتقاط معدات جديدة. وأضاف أن الأسلحة الثقيلة دخلت وتكدس الجنود في المنازل، حيث اختبأ الأوكرانيون على مرأى من الجميع.
وقال العقيد أرتيم إنه في 3 أغسطس/آب، استدعى قائد لوائه كبار الضباط إلى اجتماع على جانب طريق رئيسي لإعلان أهداف المهمة.
وكشف أحد الضباط ويدعى«تيخي»، أنه تم إخبارهم بتجنب ارتداء الزي العسكري عند دخول البلدات والمدن حتى لا يلفتوا الانتباه. وأضاف:«حتى داخل الجيش فإن بعض الوحدات لم يتم إخبارها بمهمتها إلا في اللحظة الأخيرة».
لكن بعض السكان لاحظوا التحشيد، وقالت إيلينا سيما، رئيسة منطقة يوناكيفكا، على بعد نحو خمسة أميال من الحدود أن الجميع كانوا يخمنون، وافترض البعض أنهم ربما كانوا يعززون الحدود، أو ربما يبنون شيئاً ما».
كما تقول ناتاليا فيالينا، وهي معلمة روضة أطفال تبلغ من العمر 44 عاماً، في قرية خوتين بكورسك إن أصوات المركبات الثقيلة المجنزرة أيقظتها لعدة ليالٍ متتالية، وافترضت أن الآخرين سمعوا ذلك أيضاً. لكن في القرية: «لم يقل أحد أي شيء».
وتظهر خرائط ساحة المعركة التي جمعها محللون مستقلون أن جنوداً من الألوية التي تقاتل منذ فترة طويلة في الشرق قد تحركوا سراً إلى منطقة سومي في أوكرانيا. وتم رصد كتيبة بدون طيار من اللواء الميكانيكي 22، الذي دافع لمدة عام تقريباً عن بلدة تشاسيف يار المحاصرة على خط المواجهة، بالقرب من الحدود في منتصف يوليو. كما انتقلت قوات من لواء الهجوم الجوي 82، الذي انخرط في قتال شرس بالقرب من فوفشانسك في منطقة خاركيف بأوكرانيا، إلى المنطقة. وكذلك فعل جنود من لواء الهجوم الجوي الثمانين، الذي كان في طليعة القتال في منطقة خاركيف هذا الربيع.

ـ الصدمة الأمريكية ونقاط الضعف 
وفي وقت مبكر من يوم 7 أغسطس/آب، استيقظ كبار المسؤولين الأمريكيين على صدمة، بعدما علموا أن أكثر من 1000 من قوات الجيش الأوكراني النظامية عبرت الحدود في اليوم السابق، مجهزة بدفاعات جوية متنقلة ومعدات حرب إلكترونية للتشويش على الرادار الروسي. وكان بعضهم يقود سيارات مدرعة أرسلتها ألمانيا والولايات المتحدة. ويبدو أن الجنود كانوا يخططون لقتال طويل الأمد.
وفي اليوم الثالث لبدء الهجوم، قال المسؤولون الأمريكيون إنهم ما زالوا يطلبون توضيحاً من المسؤولين الأوكرانيين بشأن العملية وأساسها المنطقي. ومنذ ذلك الحين، أطلع القادة الأوكرانيون كبار المسؤولين الأمريكيين على أهدافهم.
وعن سبب عدم التنسيق مع واشنطن قبل العملية، فيشير التقرير إلى أنه ربما لأن أوكرانيا كانت تخشى أن يحاول الأمريكيون إقناعهم بإلغائها، أو ربما بسبب قلق أوكرانيا المهووس بشأن التسريبات.
وقال المسؤولون الأمريكيون إنهم فوجئوا بمدى نجاح العملية، لكنهم شككوا في قدرة الأوكرانيين على الاحتفاظ بمكاسبهم. وقالوا إن أوكرانيا، من خلال التوغل، خلقت نقاط ضعف جديدة على طول الجبهة حيث تنتشر قواتها بالفعل.

ـ لماذا كورسك؟ 
ويستحضر اسم مدينة كورسك بالنسبة للعديد من الروس معركة الدبابات الضخمة في الحرب العالمية الثانية، والتي أوقف فيها السوفييت التقدم الألماني، ليعد هذا أكبر هجوم عليها منذ ذلك الوقت، وبعيداً عن القتال، فقد شكلت منطقة كورسك هدفاً أسهل من أي مكان آخر على طول الجبهة التي يبلغ طولها 600 ميل في شرق وجنوب أوكرانيا. 
وقال المحلل الأمريكي برادي أفريك إن كورسك لديها عدد أقل من خنادق المركبات المضادة للدروع، وعدد أقل من العوائق الهرمية المضادة للدبابات، وكذلك عدد أقل من المواقع القتالية المأهولة. ويبدو أيضاً أن روسيا زرعت القليل من الألغام في هناك.
وأضاف أفريك: «إن التحصينات الروسية في كورسك أقل كثافة مما كانت عليه في المناطق الأخرى، حيث قامت القوات الروسية ببناء دفاعات هائلة، كما هو الحال في الجنوب».
وتقدمت مئات القوات الأوكرانية إلى الأمام، واخترقت نقاط التفتيش الحدودية، واخترقت خطين دفاعيين. ومع وجود عدد أقل من الألغام وعدد أقل من العوائق، تحركت الألوية الآلية الأوكرانية بسرعة.
ولم تتمكن بعض القوات الأوكرانية من منع نفسها من الإعلان عن تحركاتها. فقد نشروا مقاطع فيديو وصوراً شخصية من مدن روسية مثل سودزا أو قرى مثل بوروز ودميتريوكوف، متفاخرين بكيفية نقلهم المعركة أخيراً إلى روسيا.

ـ الأهداف الاستراتيجية 
وشنت أوكرانيا هجومها الجريء والذي تم التخطيط له وتنفيذه في سرية، بهدف قلب ديناميكيات الحرب التي بدا أنها تخسرها، مدينة تلو الأخرى، مع تقدم القوات الروسية في الشرق. وقد فاجأت العملية حتى أقرب حلفاء كييف، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ويقول محللون ومسؤولون روس، إن أوكرانيا، التي كانت في موقف دفاعي في الغالب منذ الهجوم المضاد الفاشل العام الماضي، توغلت سبعة أميال داخل روسيا على طول جبهة طولها 25 ميلاً وأسرت العشرات من الجنود الروس. 
قال حاكم منطقة كورسك الروسية، اليوم الاثنين، إن أوكرانيا تسيطر على 28 بلدة وقرية هناك. وقال مسؤولون روس إنه تم إجلاء أكثر من 132 ألف شخص من المناطق المجاورة.
ويشكل هذا الهجوم مقامرة كبرى، خاصة وأن روسيا تهيمن على جزء كبير من خط المواجهة في أوكرانيا وحققت نجاحات كبيرة في الشرق. وإذا تمكنت القوات الأوكرانية من السيطرة على الأراضي، فربما تحصل على ورقة مساومة لأي مفاوضات سلام. ولكن إذا تمكنت روسيا من إخراج القوات الأوكرانية من كورسك والتقدم في الوقت نفسه في شرق أوكرانيا، فقد يتم إلقاء اللوم على القادة العسكريين الأوكرانيين لأنهم منحوا الروس فرصة لكسب المزيد من الأراضي خاصة في منطقة دونيتسك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7aj8782f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"