أي حجب سوف تنقشع؟

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني

اشتهر الصحفي الأمريكي «بوب وودوارد» بأنه صاحب عين كاشفة. فضيحة ووتر جيت حلقت به في الآفاق وبسببها أكره الرئيس «ريتشارد نيكسون» على الخروج من البيت الأبيض في منتصف ولايته الثانية. فيما بعد ستتلصص عيون وأذان المخبر الصحفي على مواقع وأماكن كبيرة الأهمية وسيدخل البيت الأبيض ومبنى وكالة ال«سي أي إيه» ليقدم للقارئ ما يشيب له الغراب.
في كتابه «الحجاب» يرحل بك «بوب وودوارد» مع «وليام كيسي» منذ توليه الحملة الدعائية التي رفعت الممثل السابق «رونالد ريغان» إلى كرسي الرئاسة الأمريكية وجاءت به مديراً للمخابرات المركزية إلى أن أخذه الموت في 1985. بين الولاية والممات يقلب وودوارد في ملفات كيسي ويكشف أسراراً خطيرة ورهيبة، في واحدة منها تسلل إلى القصر الرئاسي في صنعاء أو أن أحدهم ذهب إلى هناك في واشنطن، فقد ذكر أن وفداً يمنياً زار العاصمة الليبية بعد القصف الأمريكي في إبريل 1986 لاحظ أن «معمر القذافي» أصبح مهزوزاً من داخله بعد ما أصابه من فزع. وكان القذافي قد حاول أن يجمع رئيسي اليمن الشمالي والجنوبي «علي عبدالله صالح» و«حيدر أبو بكر العطاس» لكي يدفع بالتفاوض من أجل توحيد البلاد. بعد تلك الزيارة التقيت في صنعاء مسؤولاً كبيراً رافق الرئيس وسمعت منه ما استنتجه الوفد بخلاف أن محدثي استخدم كلمة مهزوم بدلاً عن مهزوز التي وردت في رواية صاحب «الحجاب» أو في نسخته المنقولة إلى العربية.
في الكتاب تستوقف المرء حكايات مذهلة ومخيفة، وفيها المشوق والمسلي والباعث على الغثيان. فالقذافي يقول ل«مانغستو هيلاماريام» في لقاء جمعهما في أديس أبابا إنه سيدبر لاغتيال الرئيس الأمريكي ريغان، ويلتقط الخبر عضو في المكتب السياسي لحزب العمال الحاكم في إثيوبيا ويعمل مصدراً للمخابرات المركزية، ويأخذ الأمريكيون الأمر بجدية كاملة دون أن يستقر في تقديرهم أنها واحدة من شطحات القذافي وتتقرر عملية ضرب ليبيا ومحاولة قتل القذافي في غرفة نومه بالعزيزية.. وهناك فيض هادر من الفضائح والعجائب تعري وتكشف مشهورين ولا توفر ملوكاً ورؤساء في العالم الثالث (الباكستاني ضياء الحق مثلاً) أو عقداء في الجيش السوفييتي.

لكن ما مناسبة هذا الحديث وقد اطلعت على الكتاب قبل أكثر من ربع قرن، وهي فترة تزيد على عمر «إسرائيل» يوم وجهت للعرب الهزيمة القاسية والمريرة. في تلك الفترة كنا مفتونين بكفاءة المخابرات العامة المصرية بفضل روايات صالح مرسي التي أخذ مادتها من أضابير الجهاز، مذهولين بقصة «رأفت الهجان» التي قدم المرحوم «فيليب جلاب» إيضاحات بالأسماء الحقيقية لأبطالها نشرته «الأهالي»، وكنا مأخوذين بوطنية «محمود نور الدين» زعيم «ثورة مصر»، الضابط السابق في المخابرات العامة المصرية. وكانت قصة الجاسوس «الإسرائيلي» «إيلي كوهين» لا تزال تحتفظ ببعض طراوتها. ولعله من هنا لم تكن مفاجآت «الحجاب» أمام ما يعتقد المرء أن الدول العربية أو بعضها تمتلك الكفاءة في الدفاع عن أمنها وعن الأمن القومي العربي بعامته. لكن الحروب السرية، وحتى العلنية، لا تحسب نتائجها بمجموعة الأهداف وإنما بمآل الصراع كله، وهذا يتحقق بالأداء المتناغم والمتجانس لمؤسسات الدولة وذلك هو الناقص في الجهد العربي. إن الخدمات الكبيرة التي قدمها «رأفت الهجان» لبلاده لم تمنع كارثة 1967 بسبب استهتار القيادة العسكرية. ولكن مرة ثانية لماذا الآن؟ ما مناسبة تذكر وقائع في كتاب صدر من وقت طويل. هل لأن الأمن القومي العربي بات معرضاً ومكشوفاً بأكثر مما كان؟ وهل في هذا علامة على أن هناك اختراقاً لبعض الأنظمة العربية في أغلب مستوياتها. ولقد يتبدى أننا نخوض حروب «إسرائيل» ضد أنفسنا ولم يكن إعلان نتنياهو تأكيد ضم الجولان سوى إهانة أخلاقية بأكثر مما هو انتصار سياسي.

كان «محمد حسنين هيكل» يقول إن أمريكا توظف «إسرائيل» في خدمتها وليس العكس. مع هذا فقد كفت الولايات المتحدة «إسرائيل» عن العراق بعد استعراضات «صدام حسين» الطائشة، ثم أدخلت أغلب الجمهوريات في حروب لا تبدو نهايتها قريبة. وأمام هذه الصورة المفزعة يثور السؤال كم «إيلي كوهين» قريباً من القصور، وكم في الوفود الرئاسية من يهرع إلى واشنطن ومن يرسل التقارير. أظن أن كثيراً من الأسرار ستظل وراء الحجب وقليلاً منها سوف ترى عما قريب، والأجيال القادمة هي التي ستعرف وتتوجع بعد أن تكون الجغرافيا قد تبدلت إلى أن تتعافى سوريا، وتستقر مصر وتمارس دورها لأن صحوتها نهوض للعرب وهجعتها توغلهم في النوم، أو بهذا المعنى كتب العبقري «جمال حمدان».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"