عن السلام وأطفال غزة

02:44 صباحا
قراءة دقيقتين

لا أحد من الأطفال الأشقاء الأربعة الذين استشهدوا مع أمهم، منذ أيام قليلة، بضربة صاروخ صهيوني، قد ورد على خاطره، ولو للحظة، أنه سوف يزف مع أشقائه الثلاثة الآخرين في حفل عرس واحد على نحو ما خبأته لهم الأقدار. فقد حُملوا جميعاً، الأربعة، على أيدي الأحبة مخضبين بدماء الاستشهاد الزكية، ويحيط بهم المئات من اخوانهم أطفال وشباب غزة ونسائها وشيوخها، وزغاريدهم تصل إلى عنان السماء تحملها ملائكة الحب والرحمة الى الخالق البارئ فيستقبلها، سبحانه، ويسكنها حيث وعد كي تعيش حياة الكرامة بجواره في أعلى جنان الخلد.

الفارق شاسع بين كل هؤلاء الصامدين المثابرين في غزة والضفة وكل أنحاء فلسطين والعراق وعلى كل الأرض العربية من خليجها إلى محيطها وبين كل العرب الآخرين العاجزين الفاشلين والمتواطئين على أنفسهم أولاً وعلى أشقائهم ثانياً.

ما الذي حدث لنا؟ كأنه الشلل.

شلل العقل والقلب والضمير والإرادة بعد أن غاب الأمل، بالأمس القريب، وبالتحديد على مدى ساعات طويلة ونهار من يوم السبت السادس والعشرين من ابريل/ نيسان الفائت كانت إذاعة وتلفزيون الشارقة وفضائيتها، بل كانت إمارة الشارقة، ومعها كل دولة الإمارات العربية المتحدة، تحيي مهرجان سلام يا صغار برعاية كريمة من سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي حرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وبدعم من سموه، لم يكن هدف هذا المهرجان مجرد جمع تبرعات مالية لدعم صمود أطفال فلسطين أمام العدوان الصهيوني وحصاره بل كان الهدف الأهم هو تحرير الضمير العربي من قيوده المادية وإطلاقه حراً كي يرى ويسمع ما يحدث أمامه وأن يتخلص من عجزه ويسترد إرادته ومعها يجدد الأمل.

لكن ما هي إلا ساعات قليلة، وجاء المشهد صادماً ليؤكد هروب الأمل. فالأمل يولد ويكبر ويتألق في قلوب وضمائر تستطيع توليده ورعايته، بشروطه هو وليس بشروطها هي، شروطه هي العزة والكرامة وعندما تغيب هذه كلها يغيب الأمل ويهرب، وتبقى الأجساد عاجزة مشلولة، كما هي الآن، وكما هي لحظة استشهاد الأشقاء الأربعة من أطفال غزة وغيرهم المئات من أطفال العرب في فلسطين والعراق وغيرهما لم يفعل أحد شيئاً، ولم يقل أحد شيئاً ومازال السلام هو خيارنا الاستراتيجي، وما زلنا نحارب الإرهاب، لم نعد نعرف الحرب إلا كما أرادوها هم، الحرب ضد الإرهاب، أي إرهاب، حتى لو كان هذا الإرهاب الذي يقصدونه هو إرادتنا نحن، لذلك كان لا بد أن يهرب الأمل، على نحو ما فصل لنا شاعرنا الرائع أحمد مطر بقوله:

أمس اتصلت بالأمل!

قلت له: هل ممكن أن يخرج العطر لنا من الفسيخ والبصل؟ قال: أجل.

قلت: وهل يمكن أن تُشعل النار بالبلل؟ قال: أجل.

قلت: وهل من حنظل يمكن تقطير العسل؟ قال: أجل.

قلت: وهل يمكن وضع الأرض في جيب زُحل؟ قال نعم، بلى، أجل.. فكل شيء محتمل.

قلت: إذن عربنا سيشعرون بالخجل؟

قال: تعال ابصق على وجهي.. إذا هذا وصل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"