عادي
الصفائح التكتونية تثبت نظرية التزحزح

تكون القارات لغز حير العلماء لأكثر من 400 عام

01:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

عكف العلماء لسنوات طويلة على دراسة واستنتاج كيفية تكون القارات، وكيفية انفصالها، منهم من رأى أن الكون عبارة عن قارة واحدة انفصلت عن بعضها، بينما البعض الآخر رأى أن الكون نشأ كما نراه الآن مقسماً إلى عدد من القارات، وهذان الرأيان أثارا الكثير من الجدل حولهما، فبمطالعة الخرائط القارية وجد العلماء تشابهاً واضحاً بين السواحل الشرقية للولايات المتحدة والسواحل الغربية لإفريقيا وأوروبا، وهذا التشابه جعلهم يحللون بالنظريات كيفية نشأة وتكوين القارات وما إذا كانت تمثل كياناً واحداً وانفصلت بعد ذلك أم لا .

اعتقد رسام الخرائط الهولندي إبراهام أورتيليوس في عام 1596 أن القارتين الأمريكيتين انفصلتا عن إفريقيا وأوروبا بسبب وقوع هزات أرضية وفيضانات .

وفي عام 1858 أعاد العالم أنطونيو سنيدر بلغريني، الذي لاحظ وجود نفس التشابه، رسم القارات كما كان متوقعاً أن يكون شكلها قبل عملية الانفصال، مستشهداً ببعض الحفريات والتكوينات الصخرية الموجودة على جانبي الأطلسي لتدعم فكرته . واتضح من الرسم وجود كتلة يابسة واحدة بداية نشأة الكون، أعقبها اندلاع مواد بركانية على امتداد شق شمالي جنوبي، فظهر الشكل الحالي للقارات في اليوم السادس من نشأة الكون .

وفي عام1910 لاحظ عالم الخرائط الألماني ألفريد فجنر بجامعة ماربورغ في فرانكفورت بألمانيا التشابه أيضاً بين الساحلين، ولذلك قرر البحث عن كيفية تكون القارات، ورأى أنه أثناء حقبة الباليوزي (حقبة الحياة القديمة) قبل 350 مليون سنة، كانت كل القارات قارة واحدة ضخمة أطلق عليها اسم بانجيا، وعندما بدأت تتفتت، انجرفت القارات عن بعضها بعضاً وتشكلت كما هي الآن . وأكبر دليل على ذلك بيانات علم الأحياء القديمة ومنها وجود مناجم للفحم في أمريكا وأوروبا استدل عليها في أماكن تفتقد الظروف المناخية لنمو النباتات المدارية اللازمة لتكون الفحم، وكذلك وجود السرخسيات والمورينات، ودلائل أخرى كثيرة خلفها العصر البرمي الجليدي، ومنها أيضاً الزواحف والديدان والكائنات الدقيقة الأخرى التي انتشرت على امتداد جميع القارات ولم تستقر في قارة واحدة، ما جعل العلماء يبرهنون على أن العالم كله كان عبارة عن قارة واحدة في يوم ما ثم تفتت إلى قارات .

ولاقت هذه التفسيرات انتقادات كثيرة، ولم يصدق كثير من العلماء في بريطانيا وأمريكا فكرة تحرك هذه القارات أو ما يعرف بالتزحزح القاري، فهؤلاء المعارضون يعتقدون أن شكل القارات ثابت منذ نشأة الأرض، وفسروا أيضاً وجود نفس الصخور والحفريات على جانبي الأطلسي بأنها انتقلت أثناء سير الحيوانات من جانب إلى الآخر مصطحبة معها بذور النباتات والأشجار والحفريات .

والعلماء الذين أيدوا رأي فجنر، أخذوا يبحثون عن دلائل تؤيد حدوث التزحزح القاري، بينما علماء الجيوفيزياء في ذلك الوقت وصفوا اقتراح فجنر بأنه مستحيل من الناحية الفيزيائية، ودلل هو على صحة رأيه قائلاً إنه بما أن القارات تتكون من مواد كثافتها أقل من المواد التي تكون قاع المحيط، فإنها ستطفو وتتحرك وشبهها بالجبال الجليدية التي تتحرك في البحر .

وفسر عالم الجيولوجيا البريطاني آرثر هولمز كيفية حدوث الانجراف القاري تزحزح القارات، وتوصل من خلال أبحاثه إلى أن الحرارة الناتجة عن اضمحلال النشاط الإشعاعي للعناصر الموجودة داخل الأرض، هي التي تجعل درجة حرارة الأرض مرتفعة، وتؤدي هذه الحرارة إلى وجود حمل حراري في الطبقة السفلية من القشرة الأرضية، وعلى الرغم من أن الطبقة السفلية تبدو صلبة إلا أن هولمز رأى أنها تبدو سميكة ولكنها تتكون من سائل ساخن، هو الذي يدفع القارة لتتحرك بعيداً .

وفي خمسينات القرن الماضي كشفت خريطة رسمها عالم جيولوجي أمريكي لقيعان المحيط الأطلنطي أن فيه سهولاً سطحية عديدة تتقطعها سلسلة مرتفعات من الوديان والتلال تعرف بحيد منتصف الأطلسي وتعتبر مركز الهزات الأرضية، وتمتد بطول 80 ألف كيلومتر حول الكرة الأرضية . وفي الوقت نفسه كشف فريق آخر كان يجمع البيانات عن وجود مغنطة في قيعان المحيط عن مفاجأة أسفل الأطلسي ألا وهي وجود أشرطة مغناطيسية طولية في قاع المحيط تنعكس على الجانب المقابل من حيد منتصف المحيط بتطابق تام، وهذه الاكتشافات تسير في اتجاه إثبات نظرية التزحزح القاري .

وفي عام 1962 طور هاري هس، رئيس قسم الجيولوجيا في جامعة برنستون الأمريكية، نظرية لتوضيح كيفية تزحزح القارات وسميت نظريته بامتداد قاع المحيط، ويرى وجود حركة زحف للصخور الأرضية تسببها تيارات حرارية عند الأعماق تحت منطقة حيود منتصف المحيط، وتدفع حركة الزحف الصخور المنصهرة إلى أعلى نحو المرتفعات المحيطة، وبعد أن يتصلب الصخر المنصهر يدفع أرضية المحيط، ما يزيد من اتساعه في كل مرة، وينتهي التدفق الأصلي على بعد آلاف الكيلومترات بعيداً عن الحيود .

الألواح التكتونية

في حين أن نظرية الانجراف القاري فشلت في إعطاء التفسير لحدوث حركة التزحزح القاري، قدمت نظرية الألواح التكتونية هذا التفسير .

ينقسم غلاف الأرض الصخري حالياً إلى ثمانية ألواح تكتونية عملاقة إضافة إلى عديد من الألواح التكتونية الصغيرة، ويبلغ معدل حركتها حوالي 4 سنتيمترات في العام .

وتبدأ عملية التزحزح القاري عندما تتحرك الألواح التكتونية، فعندما يسخن قاع القشرة القارية يصبح شكلها بلاستيكياً وكثافتها منخفضة، وبما أن الأجسام ذات الكثافة الأقل ترتفع بالمقارنة بالأكثر كثافة، فعندما ترتفع المنطقة الساخنة يصبح شكلها مثل القبة، ويحدث تقوس أعلى القشرة القارية، وينتج عن ذلك شقوق تزداد تدريجياً وتتحول إلى صدوع وتنقسم بذلك القارة، وتندفع المواد البلاستيكية بين الأجزاء القارية، وباندفاعها بعيداً عن بعضها بعضاً تتكون المحيطات مثل الأطلسي .

وفي النهاية تهبط القشرة (الألواح) المحيطية أسفل القشرة القارية مكونة خندقاً أو منطقة مطمورة تصل إلى عمق 10 آلاف كيلومتر، وباندفاع الألواح التكتونية في اتجاه العودة للقشرة التحتية الأرضية الدثار تحدث هزة أرضية على السطح، وتبدأ الرواسب التي تكونت في قاع المحيط بالذوبان والارتفاع من خلال القشرة لتكون سلسلة جبلية من البراكين على طول الحافة القارية، وعندما تصطدم القارات تتكون السلاسل الجبلية مثلما حدث من 50 مليون سنة، عندما اصطدمت الهند بقارة آسيا، وتكونت سلسلة جبال الهيمالايا .

وفي عام 1960 حدثت ثورة جيولوجية، واعتبرت نظرية الألواح التكتونية الوحيدة التي فسرت الانجراف القاري .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"