عادي
العزلة والجهل والقلق والأرق أبرز أعراضه

أشكال متعددة للتحرش بالأطفال أخطرها الجنسي

05:27 صباحا
قراءة 7 دقائق

التحرش الجنسي بالأطفال ليس من الضروري أن يقع خارج إطار المنزل، إذ إن بعض الأطفال يتعرضون للتحرش داخل بيوتهم، وذلك ما يمكن أن تعود أسبابه إلى غياب رقابة الأهل وإهمالهم وترك مسؤولية التربية على عاتق غرباء الوجه واليد واللسان .

وغياب رقابة الأهل والثقة الزائدة ببعض المقربين من الطفل وتركهم بمعزل عن المراقبة، والطفح الجنسي في الإعلام بكافة صوره والشراهة في تناوله، وعدم بناء جسور للتواصل مع الأبناء، وتجاهل ضرورة تثقيف الأطفال عن أجسامهم، ومن وكيف ومتى يتعامل الآخرون معه وخوف الطفل من الإبلاغ عن تعرضه للتحرش سواء من الأسرة حتى لا تعتبره شريكاً، أو من قدرات الجاني جميعها تنضم إلى قائمة الأسباب التي قد تؤدي إلى تحول طفل بريء إلى ضحية متحرش هو في حقيقة الأمر جانٍ سرق براءة الطفل دون أن تتحرك لديه مشاعر الندم أو الخوف من العقوبة الإلهية والقانونية .

وتداول الأهالي خلال الآونة الأخيرة العديد من الرسائل النصية المحملة بلقطات فيديو بعضها تم تصويره خارج الدولة تحذر وتنبه من خطر الاعتماد الكلي على الخدم في تربية الأبناء، وما قد يصاحب ذلك من اعتداءات جسمية وجنسية عليهم .

وبالرغم من بشاعة الجريمة، فإن المسؤولية لا تقف عند حد الجاني فقط، بل إن الأمر يمتد للأسرة خاصة الآباء والأمهات الذين بعضهم ينشغل عن أبنائه ويتركهم بين أيدي غير أمينة، والبعض الآخر من الآباء يعتقد أن دوره يتوقف عند حدود المسؤوليات المادية فقط، تاركاً التربية الاجتماعية والنفسية والبيولوجية في مهب الريح يتلقفها كل من يقابل الطفل ويغرس فيه ما يغرس من سلوكيات وعادات وأفكار وغيرها من مكونات الشخصية الاجتماعية والتربوية .

أساتذة علم النفس يحذرون من جهل الآباء والأمهات طرق التعامل الصحيحة مع الأطفال الذين يتعرضون للتحرش بمختلف أنواعه، كما أكدوا ضرورة تجنيب الأبناء خطر تعرضهم لهذه النوعية من الحوادث التي عادة ما تخلّف آثاراً نفسية وصحية واضحة على الطفل .

خطورة هذه الحوادث ونتائجها المدمرة نتناولها في التحقيق الآتي:

تنظر محكمة العين في واحدة من قضايا التحرش الجنسي بطفل يصل عمره إلى 11 سنة، وذلك من قبل مزين في صالون حلاقة لا يتجاوز عمره 23 عاماً حيث قام الحلاق بإدخال الطفل إلى كابينة الحلاقة المحاطة بجدارين من الخشب ومن ثم أغلق الواجهة الزجاجية بستارة بحيث تنحجب الرؤية من قبل الأفراد الموجودين في الصالون أو خارج الكابينة، ليتسنى له العبث ببراءة الطفل الذي قام على الفور بإبلاغ والدته التي بدورها قامت بإبلاغ الجهات المعنية للتحقيق في الحادثة ليواجه الجاني تهمة هتك عرض بالإكراه .

وجاء في محضر التحقيق أن الطفل كان يحاول منع الحلاق من التحرش به كما قام أيضاً بتهديده بإبلاغ الشرطة، أما المتهم فقد أنكر في البداية التهمة المنسوبة إليه، إلا أنه وأثناء التحقيقات اعترف بفعلته .

أشكال متعددة

ذكر الدكتور صالح الخطيب مدير مركز الإرشاد النفسي، وأستاذ علم النفس المشارك بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا أن هناك أشكالاً عديدة للتحرش بالأطفال أكثرها شيوعاً يتمثل في التحرش الجنسي والاعتداء اللفظي، والتنمر أو الاستئساد على الأطفال، والعنف الجسدي، وإتلاف ممتلكات الطفل، والضغط عليه من رفاقه، وأي سلوك متكرر للاستقواء عليه في المدرسة بهدف إيذائه .

وقال إن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي تظهر عليهم أعراض يجب أن يتنبّه لها الوالدان، أبرزها الانسحاب والعزلة وتدني التحصيل الدراسي واهتياج الانفعالات والقلق الشديد وأرق النوم والخوف من الذهاب إلى المدرسة، إضافة إلى آثار للاعتداء الجسدي مثل الكدمات والجروح وتمزق الملابس .

وأضاف أن هناك مؤشرات أخرى تنبه الأهالي إلى ضرورة الالتفات إلى الطفل ومحاولة اكتشاف الضرر الذي يقع عليه ومنها تدمر تقييم الذات لديه والذي قد يستمر لفترة طويلة . أما في الحالات الشديدة فقد تتطور لدى الطفل أفكار انتحارية، أو قد يميل إلى إظهار سلوك انتقامي يتسم بالعنف والعدوان وذلك يكون بمثابة مؤشرات إلى وجود شيء خطر يحدث لابنهم وينبغي على الوالدين أن يكونوا على دراية تامة بطبيعة وسلوكيات طفلهم حتى يمتلكوا القدرة على معرفة السلوكيات والطباع الجديدة التي طرأت أو أحدثت تغيراً لدى الطفل، كما يجب أن يكونوا قادرين على مناقشة تلك التغيرات مع طفلهم ليعرفوا الحقيقة منه .

ولفت الخطيب إلى أنواع التحرش الأخرى التي قد يتعرض لها الطفل ومنها التحرش اللفظي للطفل من خلال مناداته بأسماء غير مرغوب فيها، أو استهدافه بالنكات غير اللائقة، أو إعطاؤه لقباً غير لائق أو خادش للحياء، أو ترويج الإشاعات الكاذبة حوله . وقد تتم مهاجمة الضحية عبر رسائل الإنترنت أو عبر مواقع وسائل الاتصال الاجتماعي . وقد يقوم المهاجم بملاحقة الطفل الضحية لتخويفه أو تهديده . ويعد العنف الجسدي شكلاً من أشكال التحرش أيضاً عن طريق ضربه أو ركله أو خطف ممتلكاته، أو شد شعره . وقد يقوم بعض الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذا التحرش بأخذ أسلحة أو سكاكين معهم إلى المدرسة .

كما أن سرقة ممتلكات الطفل ينضم أيضاً إلى أشكال التحرش بالطفل، إذ إن الطفل أحياناً يصطحب معه أشياء مثل هواتف متحركة أو كتباً وأحياناً يقوم الطفل الأقوى بالاستيلاء على مثل هذه الأشياء من الطفل الأضعف أو يتلفها أو يخبئها، وعادة لا يقوم الطفل الضعيف بالإبلاغ عن مثل هذه التصرفات بسبب الخوف أو تعرضه للتهديد . أما ضغط الرفاق فيتمثل في منع الأطفال الآخرين من الاقتراب من الطفل الضحية، فيتعرض الأخير للإهمال والإقصاء من قبل أصدقائه .

وحذر الأهالي الذين يتعرض أبناؤهم للاعتداء الجنسي، أو اكتشافهم للأمر عن طريق الطفل نفسه، من التعامل الأهوج أو العصبية المفرطة مع الطفل وأكد ضرورة التحلي بالصبر والتعامل مع طفلهم بمشاعر الحب وإشعاره بقدرتهم على مساندته، كما يجب عليهم إبلاغ الجهات المعنية وأيضاً المدرسة اذا لزم الأمر . أما في حالات التحرش الأخرى فعليهم عدم التهاون وإبلاغ ادارة المدرسة في أقرب وقت ممكن، إضافة إلى ذلك على الوالدين أن يعلموا أطفالهم الثقة بأنفسهم عن طريق تشجيعهم بأن يدافعوا عن أنفسهم لفظياً إذا واجهوا شخصاً يريد الاستقواء عليهم، وأن تكون لديهم الشجاعة والقدرة على لفظ كلمة (لا) عند تعرضهم لحالات من الضغوط أو عدم الارتياح، وإذا تحول الموقف إلى تهديد لهم فعليهم أن يبتعدوا ويحاولوا الحصول على مساعدة الكبار إذا كان ذلك ضرورياً . كما يجب على الأهالي توعية أطفالهم وإرشادهم إلى عدم اللجوء للعنف البدني ما لم يكونوا في خطر، والرد على العنف بهدوء أو الابتعاد عن الموقف، لأن الطفل المستأسد يميل عدم استخدام أساليب التهديد مع الأطفال الواثقين من أنفسهم أو الذين يهملونهم، وأيضاً تعويد الأطفال التعبير عن مشاعرهم بوضوح وذلك من خلال الإبقاء على خطوط التواصل مفتوحة ما بين الآباء والأبناء، وقضاء أوقات معهم يتخللها أحاديث متنوعة تدور عن الدراسة والرفاق وغيرها من الأحاديث التي تمكن الوالدين من التعرف إلى أصدقاء أبنائهم وطباعهم وأيضاً المشكلات التي من الممكن أن يتعرضوا لها .

ونبه إلى ضرورة قيام الوالدين بتوعية أطفالهم وتقديم بعض المعلومات عن التحرش الجنسي، وذلك بما يتناسب مع المرحلة العمرية التي ينتمي إليها الطفل، كما يتطلب منهم أيضاً تعليم أطفالهم كيفية احترام حدود أجساد الأطفال الآخرين، المخاطر الناجمة عن الانضمام إلى شلل أو جماعات من الأطفال التي تتخذ من العنف سبيلاً للنيل من الأطفال الآخرين .

تعذيب وتهديد

وقال محمد رسلان موظف في مكتب لجلب الخدم، إن الأبناء أمانة في أعناق آبائهم وأمهاتهم كما أن الدين الإسلامي أوصى بحسن التسمية والتربية، كما أن مجتمعاتنا العربية التي تتقيد بعادات وتقاليد محددة تلزم الأمهات والآباء بضرورة متابعة شؤون الطفل كافة في مختلف المراحل وهو ما يمنع وقوعه في العديد من المشكلات النفسية والتربوية والاجتماعية ومنها التحرش الجنسي الذي يتسبب به أحياناً الخدم في المنازل .

وأشار إلى واقعة اعتداء جسمي على طفل من قبل خادمة في مدينة العين شهد أحداثها بنفسه، حيث لجأت الخادمة إلى استخدام دبوس حاد لوخز الطفل في أماكن متفرقة من جسده وتهديده بتعريضه للتعذيب في حال عدم الانصياع لأوامرها، وهو ما تم اكتشافه من قبل الأهل بالمصادفة ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان حيث إن الطفل كان في حالة يرثى لها من جراء تعرض يديه وقدميه لعدد كبير من الوخزات بالدبوس ذي الرأس الحاد .

وأضاف أن ما دفع الخادمة إلى ارتكاب مثل هذا الفعل البشع هو تيقنها من أن والدته لن تقوم بتغيير ملابس الطفل أو تنظيفه أو أي أمر يمكنها من اكتشاف الجريمة التي تعرض لها الضحية .

مسؤولية خاصة

ومن جانبها ذكرت حنان محمد، موظفة، أن الخادمة في المنزل مهمتها المساعدة في أعمال التنظيف فقط، أما التربية فهي مسؤولية تقع على عاتق الآباء والأمهات وهو ما تتجاهله بعض الأسر خاصة الأمهات الموظفات .

وأوضحت أن خطر تعرض الأطفال لأي نوع من الاعتداء سواء في محيط الأسرة أو خارجها أي ضمن نطاق الجيران أو المدرسة يمكن تجنبه من خلال تبادل الأحاديث مع الطفل وعدم دعوته للسكوت عند سرد تفاصيل يومه الدراسي أو ما يحدث أثناء لعبه مع أقرانه وهو من الأخطاء التي ألاحظها عند بعض النساء التي تتذمر من حديث الطفل بحجة التعب والإرهاق .

وقالت إن غرس الثقة بنفس الطفل وتدعيم شخصيته ومتابعة تطوره النفسي والتربوي يعدّ من ضروريات الحياة المعاصرة خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي نشهده وانفتاح وتعدد قنوات المعلومات وهو ما يلزم الآباء والأمهات إلى ضرورة متابعة وتوعية الطفل وتقديم المعلومات الصحيحة له والمقنعة في نفس الوقت وتوجيهه نحو السلوكيات الصحيحة .

وأشار عبد الله محمد أحمد موظف إلى طبيعة المجتمع العربي الذي يضع خطوطاً حُمراً عريضة على الموضوعات المتعلقة بالجنس وهو ما يجعل من إمكانية طرحها أو تناولها مع الأبناء من الأمور المستحيلة، كما أن البعض يتناولها ولكن دون وضع نقاط محددة تصل به إلى الهدف المطلوب وهو توعية الأبناء . ويتطلب الأمر تنظيم دورات إرشادية وبرامج ثقافية متنوعة تشرف عليها جهات أمنية واجتماعية ونفسية وصحية متخصصة بحيث تستطيع أن ترشد الأهالي نحو الطريقة الصحيحة لتوعية الأبناء وتثقيفهم بالنواحي المتعلقة بالجنس والتحرش وغيرها .

وذكرت فوزية خالد ربة بيت أن غياب بعض الأمهات لفترات طويلة جداً عن الأبناء يجعلهم عرضة للوقوع في براثن الأفراد ضعاف النفوس الذين تسول لهم أنفسهم بالتحرش أو الاعتداء جنسياً أو جسمياً على الأطفال .

وأضافت أن عصر الانفتاح الذي نعيش فيه يزيد من الأعباء على أولياء الأمور حيث يتطلب الأمر متابعة مستمرة ومراقبة ضمن الحدود التي تتيح للوالدين التعرف إلى أقران أبنائهم والبيئة المدرسية والجيران وغيرهم من الأفراد الذين يتعامل مع الطفل أو يختلط بهم .

وقالت على الأم أن تحاول قدر الإمكان عدم ترك أطفالها لفترات طويلة دون متابعة مع ضرورة الحرص على اختيار توجيههم نحو كيفية اختيار الأصدقاء وعدم مرافقة من هم أكبر منهم سناً وإن كانوا من الأفراد المقربين للعائلة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"