«الحزام والطريق».. الصين توحد العالم

04:38 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد سعد أبوعامود *

شهدت العاصمة الصينية، بكين، انعقاد المنتدى الثاني لـ«الحزام والطريق»، بحضور ستة وثلاثين من قادة الدول، وتراوح تمثيل الدول الأخرى ما بين رؤساء الوزراء والوزراء، وكانت مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، متميزة.

الملاحظ هو عدم مشاركة رئيس الوزراء الهندي في هذه الدورة، ومشاركة رئيس وزراء باكستان، الذي أبدى اهتماماً واقتناعاً واضحاً بالمبادرة، واستعداداً لمزيد من الاندماج فيها، وكذلك عدم مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ رغم الإعلان المسبق عن رغبته في المشاركة، في حين شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما شارك مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي، الذي لقي ترحيباً من الرئيس الصيني، كما كانت مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارزة، خاصة من حيث كثافة الاتصالات التي أجراها مع قادة الصين وزعماء الدول المشاركة، فضلاً عن اهتمام وسائل الإعلام العالمية بانعقاد هذا المنتدى، وتقديمها لتقارير متباينة عن أعماله التي تتراوح ما بين التأييد والانتقاد، وهذا كله يشير إلى أن انعقاد هذا المنتدي قد أتاح للصين فرصة أن تكون محلاً لتفاعلات دبلوماسية رفيعة المستوى، وإبراز نطاق اتساع دورها على المستوي العالمي.
وفيما يتعلق بالمبادرة ذاتها، فقد نشرت الصين تقريراً ضخماً ومفصلاً حول تقدم المبادرة، وإسهاماتها وآفاقها، قبل انعقاد المنتدى، وجاء فيه أن «مبادرة الحزام والطريق»؛ هي مبادرة للتنمية السلمية والتعاون الاقتصادي، وليست تحالفاً جيوسياسياً أو عسكرياً، وإنها عملية تنمية منفتحة وشاملة ومشتركة، وليست كتلة إقصائية أو نادياً للصين.
وأضاف التقرير: إن المبادرة لا تفرق بين الدول وفقاً للأيديولوجية، ولا تلعب مباراة صفرية، وترحب بالدول؛ للمشاركة في المبادرة، وأوضح: إن المبادرة حولت الأفكار إلى أفعال، والرؤية إلى حقيقة، وحولت نفسها إلى منتج عام يرحب المجتمع الدولي به على نطاق واسع، بحسب التقرير.
ووفقاً للمصادر الصينية؛ فقد حققت المبادرة نتائج ملموسة في السنوات الست التي انقضت منذ إطلاقها عام 2013، كما حصلت على دعم عالمي؛ حيث بلغ عدد الدول التي وقعت على المبادرة 126 دولة، و29 منظمة دولية، وأضافت: إن التعاون المزدهر ل«مبادرة الحزام والطريق»، ساهم في تعزيز تدفقات التجارة والاستثمار بشكل أسرع، والسماح بوصول مالي أسهل، كما خلق مزيداً من التبادلات الشعبية؛ عبر آسيا وأوروبا وإفريقيا وما وراء ذلك.
وتشير إحدى الدراسات الصينية إلى أن أسباب اتساع نطاق المبادرة تعود إلى الآتي:
* أولاً - المبادرة تنبع من روح الانفتاح والشمولية والمنفعة، ولقد أكد الرئيس الصيني في أكثر من مناسبة استعداد الصين لتبادل ممارسات التنمية مع دول أخرى، وأنه ليس لدى بلاده أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، ولا لتصدير نظامها الاجتماعي ونموذج التنمية الخاص بها، ولا لفرض إرادتها على آخرين، ولا اللجوء لمناورات الجغرافيا السياسية التي عفا عليها الزمن.
وفي إطار المبادرة، أيدت الصين ومارست مبدأ التشاور الشامل، والتنمية المشتركة والمنافع المتبادلة؛ ساعية إلى تحقيق تنمية ذاتية مع توفير الفرص والخبرات ورأس المال في الوقت نفسه لشركائها في المبادرة، إلى جانب العالم أجمع.
* ثانياً، توفر المبادرة منصة؛ لتعزيز الروابط بين الدول بشكل أوثق؛ حيث تهدف إلى تعزيز التعاون في خمسة مجالات رئيسية؛ هي: تنسيق السياسات، وارتباطية البنية التحتية، والتجارة، والتمويل، والتبادلات الشعبية، ولا تحاول بكين أبداً فرض المبادرة على آخرين؛ ولكنها تولي اهتماماً وثيقاً بمواءمة المبادرة مع استراتيجيات التنمية لشركائها في الحزام والطريق.
* ثالثاً، تحاول المبادرة المساعدة في وضع مسار جديد نحو تجارة عالمية أكثر ازدهاراً واقتصاد عالمي أكثر انفتاحاً وعولمة اقتصادية أكثر شمولاً وعلى مدار السنوات الست الماضية، تجاوز إجمالي التجارة بين الصين والدول المشاركة الأخرى في المبادرة، 6 تريليونات دولار، وتجاوزت استثمارات الصين في هذه الدول 80 مليار دولار.
وأظهرت أحدث الدراسات التي أجراها البنك الدولي، أن تعاون الحزام والطريق سيخفض تكاليف التجارة العالمية بنسبة 1.1 إلى 2.2 في المئة، وسيسهم بنسبة 0.1 في المئة على الأقل في النمو العالمي لعام 2019.
وفي كلمته أمام المنتدى، أكد الرئيس الصيني أن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق يتماشى مع الاتجاه التاريخي للعولمة الاقتصادية، ويستجيب لمطالب تعديل للحوكمة العالمية التي يطرحها العصر، ويحقق التطلّعات القوية لدى مختلف شعوب العالم في حياة أفضل، مبيناً أن هناك، دائماً، طريقاً للمصالح المتبادلة والفوز المشترك، طالما توافرت الرغبة الصادقة والتعاون المتبادل.
كما دعا إلى التركيز على المهام الرئيسية والعمل بدقة؛ لدفع البناء المشترك للحزام والطريق للتقدم نحو طريق التنمية عالية الجودة، والتمسّك بقيم الانفتاح وصداقة البيئة والنزاهة، وعدم التقهقر نحو بؤر الانغلاق ورفض الآخر، والحرص على حماية البيئة، ودفع البنية التحتية الخضراء والاستثمارات الخضراء والمالية الخضراء.
وأكد ضرورة حماية عالمنا المشترك الذي نتعايش فيه، ونلتزم بالشفافية في التعاون ونضرب الفساد بشكل مشترك من دون أي تسامح، والتمسّك بمبادئ التشاور والبناء المشترك والمنفعة المشتركة، والدعوة إلى تعددية الأطراف، والتشاور في الشؤون المشتركة وتفعّيل الإيجابيات والقوى الكامنة عند الجميع في إطار التعاون الثنائي والثلاثي ومتعدد الأطراف.
ووفقاً لمصادر غربية فإن محور المحادثات بين القادة المشاركين في أعمال المنتدي تركز حول استدامة المشروع، وآليات التمويل، وسعي الصين إلى تهدئة المخاوف من أن هذا المشروع سوف يثقل كاهل البلدان الفقيرة بديون لا يمكن السيطرة عليها، ويحدث دماراً بيئياً فيها، فضلاً عن تأكيد الرئيس الصيني استعداده لربط الصين مع بقية آسيا وأوروبا؛ من خلال تطوير البنية التحتية الضخمة.
يذكر أن الرئيس الصيني، قال: إن اتفاقات التعاون الموقعة في مؤتمر الرؤساء التنفيذيين، خلال منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي الذي عقد في بكين، تقدر بأكثر من 64 مليار دولار.
وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية الأمريكية أنه رغم اعتراضات الولايات المتحدة وممارستها للضغوط على الدول؛ لإقناعها بعدم الانضمام إلى المبادرة، فإن هناك تزايداً ملحوظاً في حجم العضوية بالمبادرة، مشيرة إلى انضمام بيرو مؤخراً رغم تعرضها للضغوط الأمريكية، وهو ما يؤكد اتساع نطاق قوة التأثير الصيني على المستوي الدولي؛ من خلال هذه المبادرة.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"