الخطر يختطف الأطفال في غفلة الأهل

الندم لا يداوي جراح الإهمال
12:14 مساء
قراءة 9 دقائق

حرص الآباء على أطفالهم، ورغبتهم في حمايتهم من أي خطر أمر لا شك فيه، ولكن، في بعض الأحيان، تصدر من الآباء تصرفات يمكن وصفها بالإهمال، عن قصد، أو من دون قصد، وهم غير مدركين أن الأخطار تحيط بالطفل في كل دقيقة وأن تصرفاً واحداً غير مسؤول من أحد الأبوين، يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وساعتها لن يفيد الندم.

ومثل هذه التصرفات قد تحدث بشكل يومي، من دون أن تلتفت الأم أو يكترث الأب لها حتى تقع الكارثة، وتشير الدراسات المختلفة حول المخاطر والحوادث التي يكون ضحيتها الأطفال أن 90 % منها تقع داخل البيت.

سميرة المعلا ربة بيت وأم لثلاثة أطفال تقول: صحيح أن الأطفال تحرسهم العناية الإلهية، فكم من المرات يسقط أحد أطفالي أمام عيني أثناء اللعب سقطات أتوقع معها أن يصيبه مكروه، وإذ بي أجده ينهض من دون أن يمسه سوء، ويستكمل لعبه، لكن هناك بعض الأمور التي يجب أن تنتبه لها الأم، لأنها في غاية الخطورة، والإهمال فيها يؤدي إلى كارثة.

وتضيف: عشت بنفسي تجربة أليمة حدثت لابن شقيقتي الصغير العام الماضي نتيجة لإهمال الخادمة وعدم إشراف شقيقتي عليها، إذ لم ترفع المقلاة الساخنة عن الموقد بعد إنهاء الطبخ، فما كان من الطفل الذي لا يتعدى عمره 5 سنوات إلا أن دخل المطبخ من دون أن يراه أحد وجذب المقلاة الساخنة فوقعت بالقرب منه وتعرض لعدة إصابات ولولا ستر الله لكانت النتيجة أسوأ بكثير، ومن يومها أنبه الخادمة بوضع أواني الطهي في مكان مرتفع لا تصل إليه يد الأطفال تجنبا لهذه النوعية من الحوادث.

وكادت تجربة مريم الغانم موظفة أن تفقدها أول أطفالها، وعنها تقول: أنا أم لطفلين 4 و7 سنوات، وتعرض طفلي الأكبر أحمد لحادثة وعمره شهر واحد، بأنني كنت في بداية زواجي، وليست لدي خبرة كافية، وذات مرة كاد أن يختنق بالغطاء في سريره الصغير، فعندما دخلت لأطمئن عليه وجدت الغطاء ملتفاً على جسمه ووجهه تماما ففزعت ورفعت الغطاء عنه فوجدت وجهه محتقنا وبدأت بتهدئته والحمد لله مر الأمر بسلام.

وحين علمت أمي بالأمر، لامتني كثيرا ونبهت على عدم تغطيته أبداً في هذا السن والاكتفاء بإلباسه ملابس ثقيلة لتدفئته، ووضعه في سريره وساعتها شعرت بتقصير شديد وإهمال، لأن الأمر متوقع، ولكننا أحيانا من دون وعي نتصرف باستخفاف مع أمور خطرة. كما تقع بعض الأمهات في أخطاء بسبب الإهمال ويوقعن أطفالهن في المخاطر، ويرتكب بعض الآباء الخطأ نفسه ويأتون بصور من الإهمال التي تؤدي في بعض الأحيان إلى كوارث.

حسن الخيال موظف يقول: في إحدى المرات كنت في زيارة لأحد أصدقائي وجلسنا في حديقة المنزل التي تحتوي على حوض للسباحة، وأدهشني منظر أبنائه الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم مابين 8 و12 سنة وهم يلعبون بطريقة غريبة فيتسلقون الأشجار ويدفعون بعضهم بعضاً في الحوض، حتى أنني شعرت بالخوف عليهم فنبهت صديقي الذي ابتسم قائلا دعهم يلعبوا ولم تمر دقائق حتى سقط أحد الأطفال على حافة حوض السباحة بفعل دفعة من شقيقه وأصيب في ذراعه وظل يصرخ واضطرنا الأمر إلى الذهاب إلى المستشفى.

سالم العنزي تاجر كاد ينهي حياة ابنه بيده نتيجة للاعتماد الكلي على الخادمة في رعاية الطفل، يقول عن هذه التجربة: لدي 5 أبناء أصغرهم 3 سنوات وهو طفل كثير الحركة ونبهت والدته أكثر من مرة بأن تشدد الرقابة عليه، ولكنه في إحدى المرات اختفى لعدة ساعات قلبنا فيها البيت رأساً على عقب حتى كدنا نعتقد أنه خطف، وفي النهاية ومصادفة، وجدناه نائماً في دولاب الملابس، أما الحادثة الأخطر فهي أني كدت أدهسه بسيارتي في الحديقة لأنه تبعني حين رآني خارجا ووقف خلف السيارة ولم أراه فكدت أدهسه لولا أني سمعت صوت الخادمة وهي تصرخ فزعة فتوقفت ونزلت من السيارة لأجده جالسا على الأرض يضحك.

عبدون الراجحي موظف يقول: بعض الآباء يتعاملون في أمور خطرة بإهمال واستهتار شديد، وهناك حوادث يكون ضحيتها أطفال أبرياء نتيجة لإهمال الآباء، مثل بعض الآباء الذين يهملون في تخزين أسلحتهم النارية في أماكن آمنة بعيدا عن أطفالهم فنسمع عن حوادث مؤلمة لأطفال يموتون أثناء عبثهم بأسلحة آبائهم.

وبحكم تجربة د.حميد الراوي طبيب أطفال يقول: صور الإهمال تجاه الأطفال التي تمر بي متنوعة، وخاصة في الأوساط المتعلمة، ومنها أهمال الآباء في تطعيم أبنائهم للوقاية من الأمراض المختلفة مثل شلل الأطفال، ولجوئهم إلى استخدام الأدوية الشعبية حين يمرضون وكل هذه أمور تشكل خطرا مباشرا على حياة الأطفال، والسبب الحقيقي لها الإهمال والجهل.

تدليل

عبد المحسن السويدي موظف يشير إلى أن هناك آباء، بدافع التدليل، يتصرفون بشكل يعرض أبناءهم للخطر من دون أن يدركوا هذا. ويقول: قبل عدة أشهر تعرض ابن أحد أصدقائي وعمره 12 سنة لإصابة شديدة في وجهه عندما اصطدم بمقود السيارة أثناء محاولة والده تعليمه القيادة وهذه صورة في رأيي، إحدى صور الإهمال التي أرى غيرها أثناء قيادتي للسيارة فأحيانا أشاهد الأطفال يخرجون رأسهم من نافذة السيارات المحيطة بي من دون اعتراض من آبائهم، أو أماً تحمل طفلها على حجرها أثناء القيادة في حين أنه يجب أن يكون له كرسي خاص مؤمّن في المقعد الخلفي.

وتعترف أسماء الحيطي موظفة بأنها كادت تتسبب بتصرف منها في فقد طفلها، قائلة: تركت طفلي 4 سنوات مع شقيقته 9 سنوات، لأكثر من مرة في البيت خاصة بعد وفاة والدتي التي كنت أعتمد عليها في رعايتهما ولكن زوجي أقنعني بإرسال الطفل للحضانة لأن البنت أصغر من تحمل هذه المسؤولية، خاصة بعد دخول الولد المطبخ وإشعال الغاز أثناء إنشغال شقيقته عنه، ولولا ستر الله واتصال البنت بنا حينما اكتشفت ما حدث لشقيقها لكانت النتيجة فاجعة.

ويقول حمدان الزعابي موظف: بعض الأهالي يتركون أطفالهم يلعبون من دون رقيب، ويسمحون لهم في سن مبكرة بأن يخرجوا للعب وهذا، في رأيي نوع من الإهمال يعرضهم للكثير من المخاطر منها الخطف أو حوادث السيارات.

ويرى عمر الجباس أنه على الأبوين الأخذ بالأسباب منعاً لكوارث تطال أبناءهم، ويقول: ما يتعرض له الطفل في النهاية قضاء وقدر، ولكن إذا كان الأب أو الأم لم يصدر منهما إهمال، فلن يشعرا بتأنيب الضمير اذا وقع مكروه، فعلينا أن نأخذ بالأسباب فأنا حينما أرى أثناء خروجي للعمل صباحا بعض الآباء يتركون الطفل يركب حافلة المدرسة بمفرده لأنهم نائمون، أشعر بألم وفي رأيي واجب الأم أو الأب أن يوصل الطفل إلى الحافلة ويطمئن على ركوبه سالما لأن السائق أو المشرفة لن يكونا أحرص عليه من والديه.

وحسب د. أمجد علام متخصص في علم التربية فإن سبب 90 % من حوادث الأطفال، العامل البشري، لذلك يمكن الوقاية منها إذا انتبه الأهل إلى مصادر الخطر المحيطة بأطفالهم وتوخوا الحذر، لأن أي إهمال من الأم أو الأب يعرض الطفل للخطر، وقد يؤدي إلى إصابته بإصابة بليغة أو إعاقة.

ويقول: لهذا فالوقاية خير من العلاج، فالأم التي تترك طفلها في الشرفة بمفرده، أو تتركه يستخدم المصعد بمفرده، والأب الذي يشتري دراجة هوائية لطفله الصغير الذي ليست له دراية كافية ويسمح له بالخروج بها إلى الشارع ولو أمام البيت في حين أن السيارات العابرة على بعد أمتار منه، أو قد يدفعه الفضول إلى السير بعيدا عن البيت حيث يزداد زحام المرور، كل هذه تصرفات تندرج تحت بند الإهمال من قبل الوالدين تجاه أبنائهم وتعرضهم للمخاطر التي قد تصل إلى فقدان الطفل.

ويتطرق د. على الجمال أستاذ علم الاجتماع إلى نوع من الإهمال في تنمية مدارك الأطفال قائلا:

ليس كل أنواع الإهمال من قبل الآباء تجاه أبنائهم هي التي تسبب خطراً من الناحية الجسدية، وإنما هناك نوعية أخرى من الإهمال التي تشكل مخاطر على مداركهم العقلية التي تمهد لتعرضهم للخطر الجسماني، فإهمال الأهل في متابعة وانتقاء ما يشاهده الطفل تمهيد لتعريضه للخطر، فنسمع عن طفلة شنقت نفسها خلال تقليدها لبطلة أحد الأفلام، وكم من طفل طار من النافذة تقليدا للخارق سوبرمان، وأطفال يجرحون بعضهم بعضاً أثناء مرحهم بالآلات الحادة، بل إن طفلاً أبتلع علبة دواء كاملة لأن أمه كانت تخبره دائما أن دواء الحساسية الذي كتبه له الطبيب هو حلوى حتى تقنعه بتناوله، والغريب أن أغلب الحوادث تقع داخل البيت أثناء تواجد الأبوين أو أحدهما بالبيت ولكنهما يتعاملان مع الأمر باستخفاف ويوجهان تحذيرات واهنة للأطفال في أمور تستوجب التدخل الصارم لمنع كارثة ويعتبر البيت بيئة مناسبة للحوادث لهذا يجب عدم ترك الطفل بمفرده.

توعية

ويرى د.أحمد القيصي أستاذ علم الاجتماع أن الإهمال في توعية الطفل ليقوم بدوره في الحفاظ على نفسه، من الأمور التي توسع دائرة المخاطر ويقول: بطبيعة الحال، يجب أن يكون الأطفال دائماً تحت إشراف الأهل، ولكن الأمر لن يخلو من أوقات قد يكونون فيها خارج مراقبة آبائهم وهذا يستوجب على الآباء القيام بدور التوعية والتدريب لأبنائهم حتى يستطيعوا دفع الأذى عن أنفسهم، وتعليمهم السلوك السليم عند تعرضهم لأي خطر وعدم تركهم للعادات التي تسهل من إمكانية إيذائهم. ويشير إلى تساهل بعض الآباء في اختلاط أبنائهم بالغرباء، والإهمال في تحذير الأطفال من الأشخاص الذين لا يعرفونهم، والتهاون في تركهم يقبلون مشروبات من شخص غريب مثلا أو عدم الاهتمام بسؤال الطفل إلى أين يتوجه ومع من، ومبالغتهم في تزويدهم بأشياء تجعلهم مطمعاً لأصحاب النفوس الضعيفة.

ويضيف: قد تجد طفلاً في السادسة أو السابعة يحمل هاتفاً غالي الثمن، أو طفلة صغيرة ترتدي مصوغات ذهبية كل هذه أمور تشكل زيادة في نسبة تعرض الطفل للخطر، وهذا يستدعي وعيا كبيرا من الآباء للحفاظ على فلذات أكبادهم، خاصة وأن والدراسات تشير إلى أن الحوادث التي تفضي لنتائج أليمة تنجم في الغالب عن إهمال الأطفال وتركهم بمفردهم من دون رقابة، وعدم قدرتهم عن حماية أنفسهم وخاصة مع انتشار ظاهرة ترك الأطفال وحدهم في المنزل أو مع أطفال اكبر منهم قليلا طيلة فترة غياب الوالدين عن المنزل، وهي من أكثر الاسباب شيوعا لإلحاق الضرر بالأطفال وتقع ضمن دائرة الإهمال.

جوع عاطفي

يثير د. عاصم البنا أستاذ علم النفس مسألة السلوك السلبي من بعض الآباء الذي يندرج تحت بند الإهمال النفسي للطفل ومخاطره قائلا:

افتقاد الطفل للعناية والرعاية في المرحلة المبكرة لا يعرضه فقط للحوادث التي تشكل خطراً على جسده، وإنما التأثير السلبي الأكثر هو التأثير النفسي الذي يشكل سلوكه، فالطفل ضحية الإهمال جائع عاطفيا إذ تتشكل شخصيته بشكل ناقص لأن الإشباع العاطفي الذي يتلقاه الطفل من خلال شعوره بقرب والديه ودفئهما واهتمامهما به لا يمكن أن يعوضه إي إشباع آخر وهذا الجانب من الإهمال يقع فيه بعض الآباء، متصورين أن غاية ما يحتاجه طفلهم هو الرعاية الغذائية وتوفير احتياجاته الأساسية من المأكل والملبس وأنهم بذلك يقومون بدورهم على أحسن ما يكون من دون أن ينتبهوا إلى أهمية أن يشعر الطفل باهتمامهم به، وقربهم منه.

أدوية قاتلة

د.رجب أبو خليل طبيب أطفال يقول: من أكثر صور الإهمال التي تعرض الاطفال للخطر وخصوصا الذين تتراوح أعمارهم مابين سنة إلى 5 سنوات، أنهم يأكلون ويشربون أي شيء تقريبا، بما في ذلك المواد الضارة التي تتواجد في متناول أيديهم ولا يدركون خطورتها، مثل الأدوية ووسائل التنظيف والمبيدات الحشرية التي قد تتركها الأم أو الخادمة في أماكن يسهل وصول الأطفال إليها. والكثير من الحوادث ترد إلينا بسبب ابتلاع الأطفال لهذه المواد، أو انسكابها في أعينهم أو على الجلد أو استنشاقها ومن الخطورة ترك الأدوية خاصة الفيتامينات والمركبات المعدنية التي تتواجد في البيوت بكثرة وأحيانا تعطيها الأم للطفل من دون استشارة طبيب، متصورة أنها تفيده وتقويه رغم أنها من أهم مسببات الوفاة بالتسمم للأطفال تحت سن السادسة، خاصة وأن الآباء يستهينون بها ولا يعتبرونها من الأدوية الخطرة باعتبار فيتامينات فيتركونها على الأرفف والطاولات وتقع الكارثة نتيجة للجهل.

أخطر مكان

ترى علياء الرابح مدرسة أن الحمّام أخطر مكان يخشى على الأطفال منه، وتقول: لذلك لا أترك طفلي ولو لثوانٍ فيه، لأني أسمع عن حوادث كثيرة تقع بسبب حوض الاستحمام الذي يتسبب في إصابات للأطفال، وأحيانا تقع حوادث غرق وأستغرب للأم التي تسمح للطفل قبل سن 7 أو 8 سنوات أن يأخذ حمامه بنفسه فهذه صورة للإهمال الذي فيه خطورة على الأطفال بل إني أحرص على عدم ترك باب الحمام مفتوح نهائيا في منزل فيه أطفال أقل من 5 سنوات وتغطية مداخل الكهرباء وإحكام غلق النوافذ لأنها أمور تسبب العديد من الحوادث للأطفال.

بينما تشير عائشة النوري إلى خطأ تقع فيه الكثير من ربات البيوت بترك مواد التنظيف في الحمام أو المطبخ قائلة:

كثيرا ما أدخل بيوت بعض صديقاتي أو قريباتي فألمح عبوة سائل منظف هنا أو عبوة مبيد حشري هناك، وغالبا ما أنبهها لأن هذه المواد سامة ويمكن أن يتناولها الطفل الصغير دون إدراك وتشكل خطراً على حياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"