يتجاوزون ثم يعتذرون

عين على الفضائيات
03:46 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

تفرقنا كي نعزل أنفسنا، لكننا توحدنا في مصابنا. لم يميز «كورونا» بين الناس، الكل أمامه سواسية، ولم تردعه مناصب، أو ظروف معيشية، ولا جنسية، بل خضعت له كل البشرية، ليتحكّم في مصائرها، ويغير مسار الحياة. أنّى لفئة من الناس مصنفة تحت اسم «مشاهير»، أن تميز بين الجنسيات، وتطالب بحماية فئة على حساب فئة، ولسان حالها يقول «فليذهب إلى التهلكة من لا يحمل هويتنا»؟

في كل أزمة نكتشف معادن من وضعهم الجمهور في مكانة النجوم. وكل محنة كفيلة بغربلة هؤلاء «المحبوبين»، الذين يقعون في شر نفوسهم، ويكشفون عن عنصرية، أو غرور، وتعالٍ، ثم يسرعون إلى الاعتذار، مجنِّدين في سبيل إعادة تلميع صورتهم، الإعلام المرئي، وبعض البرامج المعروفة ليطلوا من خلالها بثوب البراءة.

قد تعذر أي فنان زلّ لسانه في حفل، أو حوار، ونطق بما يحسب ضده، ويغضب جمهوره، ويقلل من رصيده، لكن أن يأتي الخطأ في هذا الوقت العصيب، حيث الكل يجلس في بيته يترقب، ويصلي، ويناجي ربه ألا يكون هو، أو أحد أفراد أسرته التالي في تعداد المصابين ب«كوفيد ١٩»، وحيث الكل يشعر بغربة عن الحياة نفسها، وليس فقط عن البلد الذي يعيش فيه بعيداً عن وطنه، وأقاربه، فهنا يكون الخطأ بحجم «كارثة»، تتسبب فوراً بسقوط النجم مهما علا شأنه، وحفلت مسيرته بنجاحات، وإنجازات فنية. يسقط الفنان لأن حسابات الضمير، والمواقف النبيلة، والأخوة الإنسانية، أهم بكثير من أي إنجازات، وخبرة فنية.

لا حاجة لذكر أسماء، فما أكثر السياسيين والفنانين الذين يخطئون، ويسقطون في امتحان «كورونا» الصعب، في الوقت الذي يستلزم منا جميعاً استنفار أخلاقنا، ومشاعرنا الإنسانية النبيلة. يطلون على الشاشات فإذا بهم يتجاوزون اليوم، ثم يعتذرون غداً، كأن اعتذارهم كفيل بتجميل تلك النفس التي خرجت على الإعلام لتشتم فئة من البشر، وتتعالى عليهم، فيصفح الجمهور، ويبارك.. يعتذرون، وكأننا نصدّق ما يتحججون به، فنمحو فوراً ما نطقوا به قبل ساعات قليلة، ونحفظ لكل نجم مكانته في قلوبنا.

التواصل الاجتماعي أتاح للجمهور فرصة ذهبية للتعبير بشكل مباشر، وفوري، وصريح، عن مشاعره، خصوصاً في مثل هذه المواقف. وردود الجمهور «العنيفة»، إذا صح التعبير، على تلك الفنانة، أو ذلك الفنان هي التي تدفع بها، (أو به)، للإسراع نحو البرامج التلفزيونية للإنكار، والاستنكار، بحجة أننا «أسأنا فهم الكلام»، ثم يأتي الاعتذار كأحد مظاهر التواضع. والمسرحية تتكرر، مع تبدل أسماء أبطالها فقط، ونحن نتفرج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"