شلل الأطفال هل انتهى فعلاً؟

فشله يعني التشكيك بنجاح برامج تحصين كبرى
02:17 صباحا
قراءة 9 دقائق

يقترب العالم من استئصال شأفة مرض شلل الأطفال لكن خبراء بدأوا يشعرون بالقلق من خطر الفشل الذريع ويقولون انه قد تكون له عواقب على الثقة في معارك صحية تفوق هذا المرض اللعين . ويقول خبراء عالميون في مجال الصحة والأمصال إن شلل الأطفال على شفا الهزيمة لكنهم يشعرون بالغضب من أن هدف القضاء عليه لا يزال يراوغهم بعد أكثر من 20 عاماً من استهدافهم له . ويخشون من أن الفشل قد يقضي على الثقة في مشاريع كبيرة لمواجهة أمراض أخرى مثل مكافحة الملاريا أو فيروس نقص المناعة المكتسب (الايدز) او الحصبة .

قال ديفيد ساليزبري الرئيس السابق لمجموعة الخبراء الاستشارية الاستراتيجية المعنية بالتحصين بمنظمة الصحة العالمية يعني الفشل في القضاء على شلل الأطفال حتى الآن أن هناك ظلاً من الشك في كل مبادرات التحصين .

وأضاف لهذا يجب أن نحقق القضاء على شلل الأطفال . نحن بحاجة إلى إظهار أن هذا يمكن تطبيقه .

ويشير ساليزبري وآخرون إلى ظهور حالة من ملل المانحين في المشاريع الصحية العالمية ويرى أن الفشل في القضاء على شلل الأطفال يهدد بمفاقمة هذا الوضع .

وينتشر شلل الأطفال في المناطق التي تكون ظروف الصحة العامة فيها سيئة ويهاجم الجهاز العصبي ويمكن أن يؤدي للإصابة بشلل لا شفاء منه في غضون ساعات من العدوى . والأطفال دون الخامسة من العمر هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس المسبب للمرض الذي أعاق آلاف الناس في كل عام بالدول الغنية حتى الخمسينيات .

وفي عام 1988 حين كونت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال لقيادة المعركة كان المرض متوطنا في 125 دولة وأصاب نحو الف طفل بالشلل يومياً . الآن بات متوطناً في أربع دول فقط هي الهند وباكستان ونيجيريا وأفغانستان وكان هناك انخفاض نسبته 99 في المئة في الحالات منذ عام 1988 .

وقال والت اورنشتاين نائب مدير التلقيح والأمراض التي يمكن الوقاية منها بمؤسسة بيل وميليندا جيتس التي وعدت بتخصيص عشرة مليارات دولار في تطوير وتوصيل الأمصال لمن هم في أمس الحاجة إليها على مدى العقد القادم . وظهرت 706 حالات لشلل الأطفال على مستوى العالم هذا العام في انخفاض عن 1126 في التوقيت نفسه من عام 2009 لكن أكثر من 570 من تلك الحالات ظهرت في دول استطاعت فيما سبق القضاء عليه وتكافح الآن موجات من المرض امتدت إليها من دول يتوطن فيها .

وقال جو سيريل رئيس مكتب أوروبا بمؤسسة جيتس ان الأثر الثانوي لذلك قد يمتد لنطاق أوسع كثيراً .

وأضاف لو بعد 20 عاماً من وعد قطعناه بأننا سنشهد القضاء على شلل الأطفال قريباً فإن مصداقيتنا على صعيد القدرة على الاضطلاع بمهام جسام أخرى ستتضرر بشدة إذا فشلنا .

وتقول جماعات عالمية معنية بحماية الصحة إنها تواجه إحجام حكومات الدول المانحة الغنية التي تضع نصب أعينها جمهور الناخبين والحاجة إلى خفض الميزانيات والتي تريد توجيه المساعدات لأهداف أقصر مدى يمكن أن تصبح قصص نجاح سريعة ويمكن اثباتها بالدليل .

وقال سيريل إذا كان المجتمع الصحي العالمي يطلب من المانحين الدوليين الاضطلاع بالمدى الطويل ونحن نفكر في أهداف قابلة للتحقيق مثل القضاء على الملاريا او تطوير لقاح ضد فيروس (اتش .اي .في) فإن هذه الأمور قد تبدو صعبة للبعض وحينذاك سيقوض سجلنا مع شلل الأطفال ثقة المانحين هؤلاء .

وأضاف هذا هو الخطر الحقيقي . وحذرت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي من أن عودة موجات من مرض شلل الأطفال في انجولا التي لم تشهد ظهور اي حالات لمدة سبع سنوات قبل ذلك باتت راسخة وتمثل تهديدا للدول المجاورة .

وبدأ خبراء يشعرون بالقلق من احتمال المزيد من الانتشار في أنحاء المنطقة ومن التكلفة الباهظة لتنظيم حملات لمواجهة الطوارئ في وقت يشهد فيه التمويل العالمي لشلل الأطفال تراجعا .

وتقول المبادرة العالمية لمكافحة شلل الأطفال إن هناك حاجة إلى 6 .2 مليار دولار لمكافحة المرض للفترة من عام 2010 إلى 2012 وتوجد حالياً فجوة في التمويل تبلغ 810 ملايين دولار .

وظهرت موجات لتفشي المرض في طاجيكستان التي تقول منظمة الصحة العالمية إن بها 458 حالة حتى الآن هذا العام بعد أن لم تكن هناك اي حالات عام 2009 مما يزيد من المخاوف من أن الافتقار للحذر سيسمح للفيروس بمعاودة الظهور من جديد وأن إزالة آثار هذه الحالات القليلة التي ظهرت أخيراً قد يستغرق سنوات كثيرة أخرى .

وتصف سونا باري من منظمة الصحة العالمية القضاء على شلل الأطفال بأنه محك اختبار لمشاريع صحية مستقبلية .

وقالت الأمر لا يتعلق بالقضاء على شلل الأطفال وحسب . . إذا حصلنا على أفضل تدخلات فيما يتعلق باللقاحات وافضل أنظمة مراقبة المرض وأفضل مساعدة فنية وأفضل من يعملون في الميدان للقضاء على شلل الأطفال . إذا كنا غير قادرين على هذا فكيف نتوقع أن نقوم بأمور أخرى؟

وفي غضون ذلك أشار تقرير جديد صدر عن منظمة الصحة العالمية إلى أنّه بات من الممكن الحدّ بشكل كبير من البؤس والعجز الناجمين عن مجموعة من الأمراض المعدية المزمنة، التي تنتشر حصراً بين الفئات التي تعاني من فقر مدقع .

ويغطي التقرير، المعنون العمل من أجل التصدي لآثار أمراض المناطق المدارية المنسية على الصعيد العالمي 17 مرضاً من تلك الأمراض التي تستشري في ظروف الإملاق، حيث يُلاحظ، في غالب الأحيان، تدني نوعية المساكن وتقذّر البيئات وتكاثر الحشرات والحيوانات الناقلة للأمراض .

وتشمل هذه الأمراض: قرحة بورولي (عدوى المتفطّرة المقرّحة)، وداء شاغاس (داء المثقبيات الأمريكي)، وداء الكيسات المذنّبة، وحمى الضنك، وداء التنينات (داء الدودة الغينية)، وداء المشوكات، وداء اللولبيات المتوطن، وعداوى المثقوبة المنقولة بالأغذية، وداء المثقبيات البشري الإفريقي (مرض النوم)، وداء الليشمانيات، والجذام (داء هانسن)، وداء الفيلاريات اللمفية (داء الفيل)، وداء كلابية الذنب (العمى النهري)، وداء الكلب، وداء البلهارسيات، والتراخوما، والدواد المعوي المنقول بالتربة .

وقالت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، إنّ هذه الأمراض أمراض موهنة، ومريعة في بعض الأحيان، وغالباً ما يتم تقبّلها كجزء من البؤس الذي يكابده الفقراء . وتمثّل الاستراتيجيات المبيّنة في هذا التقرير خطوة كبيرة للخروج من هذه المأساة . فهي كفيلة، إذا ما تم تنفيذها على نطاق واسع، بالحدّ بشكل كبير من عبء المرض وكسر دائرة العدوى والعجز والفرص الضائعة التي تبقي الناس في هاوية الفقر .

وتتباين آثار العدوى الطويلة الأجل بتباين الأمراض ومنها العمى، والندوب المشوّهة، والتقرحات، والألم المبرّح، والتشوّهات التي تصيب الأطراف، وتعرقل النماء الفكري والبدني، والضرر الذي يلحق بالأعضاء الداخلية . والملاحظ، في جميع أنحاء العالم، أنّ تلك الأمراض متوطنة في 149 بلداً وإقليماً وأنّها تنغص عيش ما لا يقلّ عن مليار نسمة .

وأضافت الدكتورة تشان قائلة هناك الآن بيّنات دامغة على أنّ التدخلات القائمة، بما في ذلك الأدوية المأمونة والبسيطة والناجعة، بصدد إحداث أثر في هذا المجال . وفي وسعنا، فعلاً، توقي الكثير من تلك الأمراض بتوسيع نسبة التغطية . إنّها الفرصة الأولى السانحة للتغلّب على بعض من الأمراض القديمة جداً .

ومن الملاحظ، كما جاء في التقرير، أنّ نقص الموارد مافتئ يمثّل مشكلة طويلة الأمد بالنسبة لمبادرة ترمي إلى بلوغ أعداد كبيرة من الذين يعيشون في فقر مدقع . ويجري، بشكل مطرّد، التغلّب على هذه المشكلة بفضل التبرّعات الدوائية السخية التي تقدمها دوائر الصناعة الصيدلانية، بما في ذلك عدة التزامات بالتبرّع على المدى البعيد . وقد أُعلن اليوم عن تعهّدات أخرى منها ما يلي:

تجديد شركة نوفارتيس (Novartis) التزامها بالتبرّع بإمدادات غير محدودة من المعالجة المتعدّدة الأدوية والتبرّع بالكلوفازيمين في شكل دواء أحادي لمكافحة الجذام ومضاعفاته .

إعلان شركة غلاكسوسميثكلاين (GlaxoSmithKline) عن التزامها الجديد على مدى خمسة أعوام بالتبرّع بدواء الألبيندازول عن طريق منظمة الصحة العالمية ليس لمكافحة داء الفيلاريات اللمفية فحسب، بل كذلك لعلاج أطفال المدارس في إفريقيا من الدواد المنقولة بالتربة . ويشمل ذلك الالتزام توفير 400 مليون جرعة في السنة لهذا الغرض .

موافقة شركة سانوفي-أفينتيس (Sanofi-aventis) على تجديد الدعم الذي تقدمه إلى برنامج منظمة الصحة العالمية لمكافحة مرض النوم على مدى السنوات الخمس القادمة .

وسيضمن هذا الدعم المستمر توافر الموارد اللازمة للتمكّن أيضاً من المضي قدماً في مكافحة داء الليشمانيات وقرحة بورولي وداء شاغاس . كما تم الإعلان عن ما يلي:

شروع شركة بايير (Bayer) في مناقشات مع منظمة الصحة العالمية حول كيفية زيادة التزامها الحالي بمكافحة مرض النوم وداء شاغاس .

التزام شركة إيساي (EISAI) بالعمل على التخلّص من داء الفيلاريات اللمفية على الصعيد العالمي بتوفير ثنائي إيثيل كاربامازين .

إعلان شركة جونسون وجونسون (Johnson Johnson)، في الآونة الأخيرة كذلك، عن زيادة تبرّعها بدواء الميبيندازول من أجل الإمداد بنحو 200 مليون مقرّر علاجي في السنة لعلاج الأطفال من الديدان المعوية .

ويشير التقرير إلى أنّ الأنشطة المُضطلع بها حتى الآن للتخفيف من أثر الأمراض تسفر حالياً عن نتائج غير مسبوقة منها ما يلي:

* إتاحة خدمات التوقية الكيميائية لنحو 670 مليون نسمة في عام 2008 وحده .

* التمكّن، في المستقبل، من استئصال داء التنينات، الذي يُطلق عليه أيضاً اسم داء الدودة الغينية، ليس بفضل لقاح، بل من خلال التثقيف وتغيير السلوكيات .

* انخفاض الحالات المبلّغ عنها من مرض النوم حالياً إلى أدنى مستوياتها منذ 50 عاماً .

* احتمال التخلّص من داء الفيلاريات اللمفية كمشكلة صحية عمومية بحلول عام 2020 .

وعن الآفاق المحتملة والمشكلات المطروحة يسلّم التقرير بالمشكلات المطروحة في المستقبل والفرص السانحة للتخفيف من معاناة الناس في البلدان التي تتوطنها تلك الأمراض . فلا بدّ، مثلاً، من تعزيز نُظم توفير الخدمات .

وفي هذا الصدد قال الدكتور لورينزو سافيولي، مدير إدارة مكافحة أمراض المناطق المدارية المنسية بمنظمة الصحة العالمية، إنّ من أحسن الأمثلة في هذا المجال استخدام المدارس الابتدائية لعلاج ملايين الأطفال من داء البلهارسيات والدواد في إفريقيا . وتتيح تلك المدارس فرصاً لتوسيع نطاق التثقيف الصحي ممّا يمكّن من ضمان صحة أفضل لأجيال المستقبل .

ويرى التقرير أنّه لا بدّ من تحسين التنسيق مع الصحة العمومية البيطرية بوصفها عنصراً هاماً من مكافحة الأمراض الحيوانية المنشأ . فالملاحظ، مثلاً، أنّ عشرات الآلاف من الناس يقضون نحبهم كل عام نتيجة التعرّض لداء الكلب، علماً بأنّ ذلك المرض يُكتسب في غالب الأحيان من الكلاب . وتشير التقديرات إلى أنّ 95% من حالات داء الكلب تحدث في آسيا وإفريقيا وأنّ 60% من الحالات تتعلّق بأطفال دون سن 15 سنة .

كما يجب للنُظم الصحية العمومية الاستجابة لمقتضيات تغيّر أنماط الأمراض جرّاء تغيّر المناخ والعوامل المناخية، ممّا قد يتسبّب في اتّساع نطاق انتشار بعض الأمراض أو عودة ظهورها . ومن الأمثلة على ذلك ظهور حمى الضنك بشكل لافت كأحد أسرع أعباء الأمراض المتنامية في العالم؛ فيجري، الآن، الإبلاغ عن حالات ذلك المرض في كثير من البلدان التي كانت فيما مضى خالية منه . ويظلّ الاستمرار في إدارة البيئة ومكافحة النواقل من النُهج الرئيسية لتوقي أمراض المناطق المدارية المنسية المحمولة بالنواقل .

اللقاح الثنائي لشلل الأطفال أكثر فعالية

قال علماء إن لقاحاً جديداً ضد سلالتين من شلل الأطفال هو أكثر فعالية من لقاح ثلاثي وآخر فردي، وإن ذلك يعني أن أطفال المناطق الأكثر عرضة للإصابة بالمرض يمكن حمايتهم من سلالتين رئيسيتين بجرعة واحدة .

وقال علماء منظمة الصحة العالمية في نشرة لانسيت الطبية إن الأبحاث التي جرت على لقاح شلل الأطفال الثنائي الذي يؤخذ عن طريق الفم ويعرف باسم (بي .او .بي .في) خلصت إلى أنه يحقق مناعة أعلى بدرجة ملموسة من اللقاح الثلاثي .

وذكر الباحث رونالد ساتر أن ما توصلت إليه الأبحاث يثبت أن اللقاح الجديد الذي يؤخذ عن طريق الفم سيصبح سلاحاً فعالاً في القضاء على مرض شلل الأطفال .

وقال ساتر إن الميزة الرئيسية للقاح الثنائي هي أنه فعال جداً ضد النوع الأول والثالث من فيروس شلل الأطفال في آن واحد .

وأضاف قائلاً إن التأثير كان بالفعل حاسماً جداً في الهند ونيجيريا حيث انخفضت حالات الإصابة إلى مستويات متدنية جداً هذا العام .

وينتشر شلل الأطفال في المناطق التي تفتقر إلى خدمات الصحة العامة ويهاجم المرض الجهاز العصبي، ويمكنه إصابة الأطفال بشلل لا علاج له بعد ساعات معدودة من الإصابة . والأطفال دون الخامسة هم الأكثر عرضة للمرض .

وفي عام 1988 حين أطلقت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال كان الفيروس متوطناً في 125 دولة ويصيب نحو ألف طفل يومياً .

وأسهمت عمليات التطعيم الجماعي بلقاحات قديمة ثلاثية تؤخذ عن طريق الفم في خفض عدد الدول التي توطن فيها مرض شلل الأطفال إلى أربع دول فقط . لكن رغم استخدام اللقاحات الثلاثية وأيضا اللقاح الفردي لا تزال السلالتان رقم واحد ورقم ثلاثة منتشرة في الدول التي توطن فيها مرض شلل الأطفال وهي أفغانستان وباكستان والهند ونيجيريا .

وخلال دراستهم التي جرت بين أغسطس/ آب وديسمبر/ كانون الأول حلل ساتر وزملاؤه بيانات ما يصل إلى 830 مولوداً في ثلاثة مراكز في الهند . ومن خلال فحص عينات الدم قبل وبعد التطعيم لقياس مستويات الأجسام المضادة خلص الباحثون إلى أن اللقاح الثنائي (بي .أو .بي .في) أفضل أداء من اللقاح الثلاثي أو الفردي في استهداف النوع الأول والثالث من شلل الأطفال .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"