الإدمان ظاهرة تعطل عجلة التنمية

تحقيقات
12:50 مساء
قراءة 7 دقائق

تعد مشكلة الإدمان من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تهدد زهرة شباب المجتمعات العربية والإسلامية وتؤخر النمو الاقتصادي وتعطل عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، خاصة بعد أن أصبح إدمان المخدرات آفة اجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها كل شعب متقدما كان أو متخلفاً.. فالشعوب المتقدمة تنتشر بين أبنائها ظاهرة الإدمان كنوع من الترف لارتفاع مستوى الدخول وللفراغ الذي يعيشه بعض الأبناء وللانحلال في بعض مظاهر الحياة ولغياب الوازع الديني والتفكك الأسري نتيجة كثرة الأسفار والابتعاد عن مواطن الأهل أو العمل في غيبة من التقاليد والعادات السليمة.

أما الشعوب النامية فيلجأ أفرادها إلى الإدمان نتيجة المجهودات الشاقة التي يبذلها العمال وسوء الحالة المعيشية والفقر الذي يدعو أصحابه للهروب من مشقات الحياة بتعاطي المخدرات وإدمانها ومن ثم الانحراف.

من أجل هذا وحفاظاً على كيان المجتمع العربي الإسلامي كان لابد من التصدي لهذه الظاهرة ومكافحتها واقتلاع جذورها والوقاية منها. ناقشنا علماء الدين في كيفية حل المشكلة فماذا قالوا؟

التوعية

يقول الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ في جامعة الأزهر، إن الحل الإسلامي للإدمان يتركز على التوازن بين أسلوب الترغيب والترهيب وتأصيل أسس الصحبة من المنظور الإسلامي لأن أول وأكبر سبب للإدمان رفقة السوء، يضاف إلى ذلك تغليظ العقوبات على مروجي مسببات الإدمان ثم قيام الإعلام الصحي الهادف بحملات إعلامية مركزة كالملصقات وندوات توعية في المراكز الصحية ومؤتمرات دينية في مراكز الشباب وقصور الثقافة والأندية الرياضية والمدارس وغيرها.

كذلك عدم تيئيس من وقع في براثن الإدمان والأخذ بيده ومعالجته برفق وسرية ليعود مواطنا صالحا في المجتمع مع ضرورة عقد مسابقات ثقافية ودعوية عن خطورة الإدمان وبواعثه وأخطاره ومضاره.

ويؤكد د.كريمة دور الأئمة وخطباء المساجد في أن يبينوا أخطار المخدرات وآثارها في إبطال العبادة وأضرارها على العقل ودعوة الشباب إلى استغلال الطاقات المتاحة بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع.. كما يجب مساندة المؤسسة الدينية للمدمن الذي يتم علاجه حتى لا يعود مرة أخرى للإدمان.

عيب اجتماعي

الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية يرى أن الإدمان من المحرمات مثله مثل الخمور والسرقات وكافة الجرائم الأخرى فهو عيب اجتماعي يصطدم مع طبيعة التكوين والشريعة الإسلامية فيعالجها المجتمع كما يعالج الجرائم التي تصطدم مع الإسلام.

أضاف أن قضية الإدمان وخاصة المخدرات من أخطر القضايا التي يواجهها المجتمع ولابد من وجود دور ملموس للجمعيات الدينية من واقع انتشارها الكبير في القرى والمدن، واعتبار مكافحة هذه الظاهرة من أهم رسالاتها وعلى علماء الدين مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة من مراحل حياتنا فعليهم القيام بدور أكبر في التوعية والإرشاد وتوضيح حكم الدين في هذه السموم القاتلة من خلال الندوات الدينية بالمساجد وفي المناسبات المختلفة ومن خلال لقاءاتهم مع الشباب في تجمعاتهم.

أشار د.الشكعة إلى أن الكثيرين ممن يقعون في براثن المخدرات يفصلون بين تعاطيها أو الاتجار فيها وبين العقيدة الدينية التي قد يكونون من المتمسكين بها ولكن تنقصهم المعرفة، وأكبر الظن أن نسبة كبيرة منهم إذا استوثقت أنها ترتكب بالانغماس في المخدرات إثما كبيراً وأنها تغضب الله وأنها تلقي بأيديها إلى التهلكة فقد ترجع عن غيها قبل أن تدمن ويستعصي الرجوع.

توجيه الأبناء

الدكتورة آمنة نصير الأستاذ في جامعة الأزهر تقول: لقد غابت لدينا الضوابط الدينية، وبالتالي جنح أبناؤنا تجاه الإدمان نتيجة عدم وجود رقابة من الأسرة ومصاحبة أصدقاء السوء حيث انشغلت الأسرة بهموم الحياة فأصبح الأب آخر من يعلم عن سلوك ابنه وأصدقائه وانشغلت الأم في العمل خارج المنزل فلم يعد هناك من يوجه الأبناء تجاه السلوك القويم.

أكدت د. آمنة نصير أن الدين فيه الخلاص باتباع تعاليمه وقيمه فالدين ليس شكلا ومظهرا بل هو سلوكيات وهو ما نفتقده حاليا لذا فهناك وصفة دينية نقدمها كعلاج للشخص المدمن منها حثه على الرجوع إلى الله تعالى وتعريفه أن باب التوبة مفتوح أمامه وعليه عدم القنوط من رحمته سبحانه وتعالى والتبصير بأهمية الحياء من الله، فإذا أفهمنا الشخص المدمن أن عليه الخجل من عصيانه وأهمية التوازن بين الخوف من الله والرجاء فيه كلما عمل ذلك على إقلاعه عن سلوكه كما يجب وضع هذا الشخص أمام ضميره من خلال تنمية القيم والضوابط الدينية لديه.

كما يجب ألا ننسى دور المؤسسات التربوية في الرقابة والتعاون مع البيت والمبادرة بحل مشكلات التلاميذ أولاً بأول وأن نعيد إلى الأذهان ذلك النمط من العلاقة الأبوية بين المعلم وتلاميذه تلك العلاقة المبنية على الثقة والحب والقدوة وتوفير الأنشطة التي تشغلهم وتملأ فراغهم.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس ترى أن علاج الإدمان يتطلب منظومة متكاملة لأنه مسؤولية المجتمع المدني بأكمله مشتركة بين الجميع حيث إن الإحباط والبطالة التي يعاني منها الشباب تدفع الكثير من الشباب إلى الهروب من حل مشكلاتهم إلى المخدرات.

أضافت أن الأسرة هي المحور الأساسي في علاج الإدمان فهي التي تعايش المدمن وتعرف المستجدات الجديدة التي تطرأ على الأبناء كما أن الرعاية والرقابة والنصح والتوجيه تبدأ من الأسرة حيث يجب أن يراقب الأب ابنه ويتعرف على أصدقائه وعلى الأماكن التي يرتادها ويراقب مواعيد نومه وسهره ويتابع علاقته بأفراد الأسرة والأوجه التي ينفق فيها مصروفه ومدى انتظامه في المدرسة أو الجامعة، وهكذا نرى أن رقابة الوالدين وحسن توجيههما هو حجر الأساس في درء الخطر قبل وقوعه، ثم إن للأسرة دورا مهما في غرس القيم الدينية والمثل العليا في نفوس أبنائها ولن ننجح في القيام بهذا الدور إلا إذا كان الأبوان قدوة طيبة في السلوك والحرص على القيم والقدرة على زرع الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية في نفوس الأبناء، كما أننا في حاجة إلى أن نعلن عن المريض المتعافي كمواطن صالح يجب أن يكون له فرصة في المجتمع من جديد بحيث يستطيع أن يندمج فيه.. مع العمل على زيادة البحث العلمي حول الإدمان والتدريب المستمر على العلاج والتوعية من خلال الجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية لترسيخ مفهوم ثقافة علاج الإدمان.

رسالة إعلامية

يقول الدكتور عدلي رضا الأستاذ في كلية الإعلام جامعة القاهرة إن الرسالة الإعلامية في مواجهة الإدمان يجب أن توظف لها الوسائل الإعلامية المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة لأن لها أثرها في توضيح أبعاد المشكلة وعرض المخاطر التي يتعرض لها المدمنون وتوعية المواطنين بمضارها بالنسبة للفرد وللأسرة وللمجتمع على السواء وعدم تصوير التهريب والإدمان على أنه نوع من المغامرة لأنه قد يغري بعض قطاعات من الشباب.

ويرى د.حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر أن قضية الإدمان نشأت بسبب عدم الالتزام بشرع الله عز وجل على مستوى الفرد والمجتمع والدولة لأن انحراف الشباب عن القيم والأخلاق وإهمال التربية الإسلامية وتقصير الدولة في تطبيق شرع الله وحراسة العقيدة وحفظ الأخلاق والمال لابد أن يقود إلى الإدمان بآثاره السيئة العديدة ومنها الخسائر الاقتصادية، كما أن عدم تطبيق الأحكام والمبادئ الشرعية يؤدي إلى التخلف والفساد والحياة الضنك.

ويقول: مشكلة الإدمان من عناصر تبديد مقومات التنمية وهي الإنسان والمال والموارد الطبيعية، وبمعنى أوسع فإن إدمان العنصر البشرى يعتبر هدماً للتنمية الاقتصادية ولذلك يجب التصدي لها، وللإسلام نظرته الخاصة لمعالجة هذه المشكلة فقد حرمت الشريعة الإسلامية كافة صور الإدمان لأنه يضر بالعقل والنفس والمال.. فلقد أجمع علماء الطب أن تعاطي المخدرات على اختلاف أنواعها وما في حكمها يسبب للإنسان العديد من الأمراض النفسية والبدنية وهذا بدوره يضعف من إنتاجية العامل لأن الإدمان يضعف طاقته البدنية والذهنية والتي كان من الممكن الاستفادة منها في الإنتاج وتحقيق التنمية الاقتصادية، كما أن ذلك يضيع إنتاجا كان يمكن أن يتحقق لو كان الإنسان رشيدا سويا ينفق المال فيما أمره الله به ويؤمن بأن له وقفة مع الله عز وجل يحاسبه عن هذا المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

ويضيف د. شحاته أن على كل إنسان أن يستشعر أن المال الذي ينفقه على المخدرات وما في حكم ذلك ملك لله سبحانه وتعالى وأن الإنسان سوف يقف أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ليسأله عن هذا المال.

لذلك يجب تكثيف الجهود العربية المشتركة بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية والجهات والمراكز البحثية لمواجهة مشكلة الإدمان في المجتمع العربي والتوسع في إنشاء مستشفيات متخصصة لعلاج الإدمان في مختلف الدول العربية حيث إن معظم أقسام علاج الإدمان ملحقة بمستشفيات لعلاج الأمراض العقلية والنفسية كما أن الطاقة الاستيعابية المتاحة حاليا لا تلبي أعداد المدمنين واحتياجاتهم مع تشجيع الجهود المبذولة لإيجاد فرص عمل للشباب حيث تعتبر البطالة عاملا رئيسيا للمشكلات الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها أبناء المجتمع العربي والتركيز على الجانب الديني في السياسات المعنية بالعلاج أو الوقاية من الإدمان.

كما يجب الاهتمام بالتوعية الدينية في المدارس والمعاهد والجامعات من المخاطر المختلفة للإدمان وبيان الحكم الشرعي للذين ينفقون أموالهم على الخبائث والمنكرات وإعلان ذلك للناس وأن تسعى الدولة بكل أجهزتها لإيجاد فرص عمل للشباب تحقق لهم العائد الاقتصادي المرضي وتحميهم من الوقوع فريسة لتجار المخدرات مع إعفاء الاستثمارات التي توفر مجالات عمل للشباب من الضرائب وغيرها لحماية الشباب العاطل.

تحاليل دورية

د.محمد الزهار استشاري الباطنة والقلب يرى أن من أسباب عودة المعالجين لتعاطي المخدرات هو أصدقاء السوء وهذه من ضمن التعليمات التي نطالب المعالج بتجنبها حيث إن مراحل علاج المدمن تبدأ بإزالة السموم من الجسم وهو ما يستغرق حوالي من 7 إلى 10 أيام ثم التأهيل لمدة ثلاثة أشهر ومدة التعافي تتعلق بالمريض نفسه فقد تنتهي سريعاً وقد تستغرق عامين بالعيادات الخارجية.

يطالب د.الزهار بالاهتمام بإجراء تحاليل دورية لاكتشاف المدمنين خاصة بين الطلبة والسائقين للحد من ظاهرة الحوادث المرورية المتكررة والناتجة عن مشكلة التعاطي والإدمان مع ضرورة التعاون المستمر بين مختلف المراكز البحثية العربية للوصول إلى أساليب حديثة في علاج الإدمان والاهتمام بتبادل الخبرات العملية والتطبيقية في طرق المكافحة بين مختلف الدول العربية، كما يجب تعديل القوانين المنظمة لعمل الصيدليات وتغليظ العقوبة على الصيدليات التي لا تلتزم بتعليمات الجهة الصحية المسؤولة فيما يخص العقاقير المحظور بيعها دون أن يكون ذلك تحت إشراف طبي بحيث تواجه بعقوبات رادعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"