تأثير العقوبات في إيران

04:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

تسعى الولايات المتحدة لدى الدول الآسيوية الشريكة تجارياً لإيران كي تقلل من تعاملاتها التجارية مع طهران، بحيث تصبح العقوبات الغربية المفروضة على إيران مؤثرة حقا بما يجعلها تنصاع للمطالب الدولية بشأن برنامجها النووي . ويفسر المسعى الأمريكي ما يعتقده كثير من المراقبين من أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على إيران حتى الآن ليست بالشدة التي يمكن أن تكبل الاقتصاد الإيراني . صحيح أن تصعيد العقوبات الأمريكية والأوروبية في الأسابيع الأخيرة كان له أثر مباشر، إذ تراجعت قيمة العملة الإيرانية بشدة وزادت حدة التصريحات الإيرانية التهديدية بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية .

وربما كان التقدير الأمريكي الرسمي للتهديدات الإيرانية، بأنها إنما تعكس إحباطاً نتيجة أن العقوبات الاقتصادية المشددة بدأت تؤثر، صحيحاً . إلا أن العقوبات ليست حاسمة على ما يبدو، ولاعتبارات عملية واضحة .

ورغم التأثير المباشر والسريع لاتفاق دول الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على النفط الإيراني، إلا أن العقوبات المالية الأمريكية التي أقرها الرئيس باراك أوباما في آخر أيام 2011 ربما كانت الأهم . ذلك أن العقوبات الأمريكية تتعلق بمعاقبة البنوك المركزية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني، ما يعني عملياً في حال تنفيذها عدم قدرة إيران على تصدير نفط أو غيره حيث تحصل على عائدات صادراتها عبر التعاملات الخارجية مع البنك المركزي . العقوبات الأمريكية جاءت بندا في قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي ،2012 ويعطي الرئيس الحق في معاقبة من يتعامل مع البنك المركزي الإيراني مالياً . واستند البند إلى اتهامات الخزانة الأمريكية للبنك المركزي الإيراني بالتورط في تمويل الإرهاب .

إلا أن البند يتضمن ايضا ثغرات يمكن عبرها تفادي فرض تلك العقوبات بالصرامة التي صورت إعلامياً . فالأمر متروك للرئيس لتقدير مدى خطورة أي تعاملات على الأمن القومي الأمريكي، كما أنه يعفى من البند الدول التي يمكن أن تتضرر بشدة من وقف تعاملاتها المالية مع إيران أو لا تجد ما يكفي من بدائل وارداتها من إيران . لهذا السبب أعلنت كوريا الجنوبية مثلاً أنها ستقلل وارداتها النفطية من إيران حيث تستورد 10 في المئة من احتياجاتها النفطية منها لكنها لن توقفها تماماً .

وهكذا تستفيد سيؤول من تلك الثغرة في بند العقوبات الأمريكي فتكون أرضت واشنطن ولم تغضب طهران . وربما كانت اليابان أكثر استجابة للضغوط الأمريكية، إذ بدأت بالفعل في البحث عن بديل سعودي او غيره للنفط الذي تستورده من إيران . إلا أن الصين ليست مستعدة للاستجابة للضغوط الأمريكية تماماً، ومن ثم قد يصبح بند العقوبات الأمريكي غير ذي تأثير كبير ما لم تبادر الصين من جانبها لتقليل تعاملاتها مع إيران .

وحسب آخر أرقام متوافرة عن التبادل التجاري الإيراني مع العالم نجد ان صادرات إيران إلى الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية تزيد على 50 في المئة من اجمالي صادراتها . أما الواردات، فإن واردات إيران من الصين والامارات وكوريا الجنوبية تزيد على 40 في المئة من وارداتها . أما أوروبا، فإذا استبعدنا تركيا (التي تستورد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الإيراني) نجد أن ايطاليا وألمانيا هما من أكبر شركاء إيران تجارياً . لكن ألمانيا تصدر لإيران سنوياً ما تقارب قيمته 5 مليارات دولار مقابل واردات من إيران لا تزيد الا قليلاً على مليار دولار . وبالتالي فالمصدرون الألمان هم المتضررون من تراجع التعامل مع طهران . أما قرار دول الاتحاد الأوروبي بحظر النفط فرغم تأثيره الانفعالي في أسواق النفط إلا انه ليس بالأهمية التي يصورها الإعلام . فواردات كل دول الاتحاد الأوروبي من النفط الإيراني لا تتجاوز 15 في المئة من صادرات إيران النفطية . وربما كانت ايطاليا واسبانيا أكبر مستوردين، بنحو 180 ألف و160 ألف برميل يومياً على التوالي . وتلك كميات يمكن تعويضها من دون مشكلات، كما أن نحو نصف مليون برميل يومياً من النفط الإيراني التي قد لا تستوردها دول أوروبا ستجد سوقا لها في الصين وكوريا الجنوبية ومستوردين آسيويين آخرين .

لا يعني ما تقدم أن تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران ليس مؤلماً، وان لم يكن خانقاً تماماً كما قد يتصور البعض . وربما يكون الأثر المهم هو على المدى الطويل إذا استمرت الأزمة بين إيران والغرب وتصاعدت العقوبات . فالغرب يمكنه تحمل تلك العقوبات لكن الاقتصاد الإيراني، والوضع الإيراني عامة، لن يستطيع تحمل تلك العزلة على المدى الطويل . ولا شك أن التأثير المباشر والسريع لموجة تشديد العقوبات الأخيرة قد يلعب دوراً في أجواء الانتخابات البرلمانية الإيرانية هذا الربيع . وربما كان ذلك أحد أهداف توقيت تصعيد العقوبات، وإن كان الاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل بما يجعل الضغط على المواطن العادي كبيراً من دون وجود أفق للتحسن . وربما تزداد الضغوط كذلك على طبقة التجار الإيرانيين مع استمرار الأوضاع الحالية، فقد بدأ هؤلاء بالفعل يشتكون من مشكلات وجود السيولة من العملات الصعبة ليتمكنوا من الاستيراد والتجارة . هذا إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم وما يستتبعه ذلك من ضغوط سلبية على الانفاق الاستهلاكي المحلي .إذا لم تتطور الأزمة الى صراع عسكري فإن استمرار العقوبات الحالية، مع احتمالات تجاوب الصين ولو قليلاً مع الضغوط الأمريكية، يمكن أن يضر بالاقتصاد الإيراني على المدى المتوسط وبشدة على المدى الطويل .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"