الأكاديميون الإماراتيون

04:22 صباحا
قراءة 5 دقائق

يتضمن رأس المال البشري في دولة الإمارات كفاءات مختارة من الرجال والنساء الذين يشكلون جوهر السلك الأكاديمي المواطن في الدولة. يعود الفضل إلى جامعة الإمارات بقيادة رئيسها الأعلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان في صناعة نخبة أساتذة الجامعة المواطنين التي تتوفر لدى الدولة حالياً. عدد هؤلاء محدود نسبياً، يصل إلى قرابة مائة وخمسين أستاذاً جامعياً من حملة درجات الدكتوراه من الجامعات العربية والغربية المرموقة، ويتركز معظمهم في الصرح العلمي الوطني العريق، جامعة الإمارات في مدينة العين. الأكاديميون الإماراتيون ثروة وطنية ثمينة، يحمل عناصرها مؤهلات علمية متقدمة ووفق أرقى المعايير العالمية، في كافة المجالات الجامعية، العلمية والاجتماعية والإنسانية والأدبية والهندسية والإدارية والتقنية. نتيجة للمزيج الذي يجمع بين انتمائهم المحلي وتأهيلهم الدولي وتواصلهم العالمي، نؤكد أن هؤلاء الاساتذة الأكاديميين ينتمون إلى مجتمع العلماء والباحثين الحرفيين المعتبرين، ويضعون دولة الإمارات على الخريطة العالمية في التعليم العالي والبحث العلمي والعطاء المعرفي.

يضطلع الأكاديميون المواطنون، جنباً إلى جنب مع زملائهم من الأساتذة العرب والأجانب، بكافة المهام العلمية والمهنية المنوطة بالأساتذة الجامعيين. بشكل أكثر تحديداً، ينشغل هؤلاء الأكاديميون بالقيام بواجبهم الوطني المتمثل في تدريس وتأهيل أبناء وبنات الدولة في مختلف التخصصات الجامعية، والذين يشكلون مخرجات التعليم العالي في الدولة التي تغذي سوق العمل بالكوادر الوطنية، كما يشارك الاساتذة الجامعيون المواطنون في المساعي الإنسانية العالمية التي تهدف إلى توسيع المعرفة العلمية في شتى المجالات، والاجتهاد في تعزيز نصيب الدولة من الإسهام والانتاج العلميين من خلال نشر الأبحاث والمؤلفات في الاصدارات والدوريات العلمية ذات المكانة العلمية الإقليمية والدولية والعالمية الرفيعة.

يمتد نشاط الأكاديميين الإماراتيين ليشمل كذلك المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة، وذلك على المستويين المحلي والدولي، ويحرصون من خلالها على تمثيل وطنهم الذي يجلّونه كل الإجلال أنبل تمثيل، وتمثيل جامعتهم التي يفخرون بها كل الفخر أشرف تمثيل، وهم يدأبون على القيام بذلك، ويثابرون على الاستمرار في عطائهم التعليمي والعلمي، مدفوعين بحرصهم الصادق على الوفاء بمتطلبات التعبير عن شعورهم بالانتماء إلى وطنهم العزيز، والمساهمة في عملية التنمية التي تهدف إليها الدولة.

تستهلك أنشطة التدريس الجامعي، ومهام اجراء ونشر البحوث والدراسات العلمية، والمشاركة في الملتقيات العلمية نصيباً هائلاً من المجهودات الفكرية والجسدية يحجم معظم الناس في أي مجتمع عن بذلها، وتتطلب منهم توظيف مهارات مهمة في التقصي والبحث والقياس والتجريب العلمي لا تتوفر إلا لدى نسبة قليلة من المتخصصين الأكاديميين الذين تفخر بهم جامعات دول العالم. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إن الأكاديميين الإماراتيين يسهمون بعطاء واجب إلى مجتمع الدولة، وذلك من خلال الخدمات التي يقدمونها إلى المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، الاتحادية منها والمحلية، ويحرصون من خلالها على المشاركة في تنمية الدولة عن طريق توفير الدراسات الاستشارية، والإسهامات الإعلامية المكتوبة والمرئية، وتنظيم المحاضرات العامة وورش العمل التي يستفيد منها الموظفون والموظفات في مرافق الدولة الرسمية، وغيرها من النشاطات ذات المنافع المجتمعية.

يجسد الاساتذة الجامعيون المواطنون نتائج الاستثمار الطويل الذي بذلته الحكومة الاتحادية في أبنائها وبناتها من الواعدين علمياً، وأيضاً إلى هؤلاء الاساتذة يستند طموح الدولة المشروع إلى الدخول في عصر العلوم والمعرفة. ويتضح جلياً أن الأكاديميين الإماراتيين الموجودين حالياً في جامعة الإمارات هم حلقة الوصل بين ماضي الدولة القريب ومستقبلها الممتد. ومن المؤكد ان امتلاك دولة الإمارات قطاف هذا الاستثمار جاء نتيجة التقاء دافعية اساتذة الجامعة المواطنين نحو التحصيل والاسهام العلميين من جهة، والدعم المادي والمعنوي الذي وفرته الحكومة الاتحادية، من جهة أخرى.

بيد أن من المؤسف أن جدوى الاستثمار الطويل الذي بذلته الدولة خلال عقود الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي تتعرض للتدمير الذي تتحسر عليه النفس، وأن حصيلة هذا الاستثمار المتمثلة في الأكاديميين المواطنين تتعرض للتآكل الذي يجزع منه القلب، وأن العربة التي تحتاج إليها الدولة من أجل الدخول الواثق في عصر المعرفة والبحث العلمي تتعرض للإهمال الذي يحار أمامه العقل. تتصاعد في الآونة الحالية مطالب الأكاديميين الجامعيين في الإمارات بالالتفات إلى واقعهم المعيشي المتراجع، وذلك في ضوء انخفاض الرواتب التي يتقاضونها، وعدم ملاءمة الامتيازات الوظيفية التي ينالونها على الاطلاق. وتزداد هذه المطالب أهمية حين ندرك ان الرواتب والامتيازات المنخفضة لا تزال مستمرة في دفع نسب متزايدة من الاساتذة المواطنين إلى الاستقالة من الجامعة، الأمر الذي يتطلب دق ناقوس الخطر من أجل تدارك هذا الأمر.

لا تتناسب الرواتب مع حقيقة ان الأساتذة الجامعيين قد قضوا سنوات الثمانينات والتسعينات والسنوات الأولى من الألفية الثالثة منقطعين للدراسة والتحصيل العلمي في بلدان الغربة، مضحين بذلك بأجمل سنوات عمرهم من أجل المساهمة في صنع الركيزة الأكاديمية لدولة الإمارات. ولا تتناسب هذه الرواتب مع حقيقة أن الاساتذة الجامعيين لم يكونوا أبداً خلال سنوات تحصيلهم وعطائهم العلميين في موقع يسمح لهم بالاستفادة من الطفرات التجارية والاستثمارية التي شهدتها الدولة في فترات مختلفة، وهم بذلك لا يستندون إلا إلى الرواتب التي لا تكاد تكفي في مواجهة متطلبات الحياة. ولا تتناسب هذه الرواتب أيضاً مع حقيقة ان هؤلاء الاساتذة يحملون مؤهلات وخبرات علمية عالية، لا يمكن أن تلقى قيمتها المالية العادلة إلا بمضاعفة الرواتب التي يتقاضونها حالياً، علي أقل تقدير.

ظلت جامعة الإمارات ممثلة في رئيسها الأعلى وطاقم إداراتها العليا حريصة على توفير كافة صور الدعم من أجل المحافظة على ثروة الدولة من الأكاديميين الإماراتيين، ولا تزال هذه الجامعة العريقة تجتهد في القيام بذلك. تستحق جامعة الإمارات بوصفها المؤسسة الوطنية الأولى للتعليم العالي أن تلقى الدعم المادي السخي من الدولة، وذلك كي تتمكن من الاستمرار في القيام بمهامها الأكاديمية المتعاظمة على أكمل وجه، خاصة في ما يتصل بمساعدة اساتذة الجامعة وموظفيها على مواجهة واقعهم المعيشي الصعب، والذي يهدد بتناقص أعداد الأكاديميين المواطنين سريعاً، ومن ثم تلاشيهم واختفائهم. وفي ظل غياب مثل هذا الدعم، ينبغي على كل من المجتمع والمؤسسات الحكومية أن تستعد لفترة مقبلة يكون فيها الأكاديميون الإماراتيون أمراً من الماضي، سوف يتطلب تعويضهم ثلاثين سنة على الأقل، الأمر الذي يعد إهداراً خطيراً لا يغتفر للثروة البشرية الوطنية.

لم يحصل أساتذة وموظفو الجامعة على زيادة الرواتب بنسبة خمسة وعشرين في المائة إلا بعد نحو سنة ونصف من بدء تطبيقها بالنسبة لكافة موظفي الدولة، ولم يحصلوا عليها بأثر رجعي. لم يستفد هؤلاء الاساتذة والموظفون كذلك من قرار زيادة الرواتب الذي صدر في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني ،2007 وصار نافذاً ابتداء من شهر يناير/كانون الثاني 2008 حتى الآن. وينتظر هؤلاء الأكاديميون والإداريون أن تتداركهم لفتة عناية واهتمام من أولي الأمر في الدولة، والذين نثق بحرصهم على إنقاذ اساتذة الجامعة وكوادرها الإدارية من الضنك المعيشي الذي استبد بهم، خاصة بعد أن تدنت مستويات حياتهم في ظل التضخم الاقتصادي الفادح. كما ينتظر مجتمع الإمارات أن تبادر الجهات المسؤولة، وفي أسرع وقت ممكن، إلى صيانة حصيلة الاستثمار الحيوي الذي بذلته الدولة في رأس المال البشري، وذلك بأن تعمل على توفير كافة الإمكانات والأسباب التي من شأنها أن تعزز من تماسك بنية الأكاديميين الإماراتيين، وتمدهم بالدعم المادي والمعنوي الذي يمكن أن يعزز دافعية الأساتذة المواطنين نحو الاستمرار في العطاء الأكاديمي والتفوق العلمي.

E- mail:[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"