ماذا نريد من التعليم؟

03:03 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

مرة أخرى تخلو قائمة عالمية لأفضل الدول في مستوى التعليم من أي بلد عربي، وهو ما أبرزه موقع ال«بي بي سي» في عنوان تقريره الذي نشره الأسبوع الماضي حول نتائج مؤشر برنامج التقييم الدولي للطلاب التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وشارك فيه 600 ألف طالب من 79 دولة.
والملاحظ أن كثيراً من المجهودات التي تبذلها معظم البلدان العربية للارتقاء بالتعليم لا تحقق الأهداف المرجوة منها، ويبدو أن أسس التعليم في بلداننا بحاجة إلى تغيير جذري ينطلق من إحساس شعرت به كثير من البلدان الأخرى، يتمثل في أن التعليم ليس مسألة تتعلق بدرجة التحضر وحسب، ولكنه في الأصل قضية مصيرية، تتماس مع الأمن القومي.
يرتبط التعليم بالدرجة الأولى بتشكيل النخب المنوط بها دفعنا إلى الأمام في مختلف المجالات، هنا لابد أن نتطلع إلى العالم من حولنا، فأعداد خريجي الجامعة في أوطاننا العربية مرتفعة مقارنة بالآخرين، والمفارقة أن نسب الأمية مرتفعة أيضاً في عدة بلدان عربية، هذه المفارقة تعود لأسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية بات من الملحّ مناقشتها بصراحة، وإيجاد الوسائل المناسبة لعلاجها.
أنْ نُنتج خريجاً جامعياً متخصصاً وبارعاً في مجاله، يمتلك أفكاراً للتطوير ويعرف قدراً معقولاً من العلوم الأخرى، وأن نُعلم جميع البشر ما يفيدهم في حياتهم العامة ويحفظ كرامتهم، فتلك معضلة في واقعنا العربي.
أنْ يفاخر أحد الطلبة عن حق بتخرجه في هذه الجامعة العربية أو تلك، حلم يبدو أنه عسير التحقق في المستقبل المنظور، وأن يحصل الإنسان البسيط على معارف تجعله يتعاطى مع المتغيرات من حوله، أمنية بعيدة المنال.
هنا نسأل بصراحة: هل التعليم الجامعي يجب أن يكون متاحاً للجميع بعيداً من المحظورات لدى شرائح كبيرة من المهمومين بالمسألة، ولكن كيف تتشكل نخب سياسية واقتصادية وثقافية، وخريج التعليم الحكومي ربما يخطئ في الكتابة والقراءة، أما خريج التعليم الخاص فلا يعرف أبعد من تخصصه، والنظرة الاجتماعية المتدنية لمن لم يدرس في الجامعة تلاحق الكل.
أما الأمية الآن فلا تثير إلا الإحساس بالخجل.
يرتبط التعليم كذلك بحزمة قيم تتمثل في إتاحة حرية الاختيار للطالب ليدرس ما يحب، والأهم أنه المدار الأصيل لإعمال العقل بحرية.
يشعر قارئ تقرير ال«بي بي سي» بالأسى، فأحد اختبارات ذلك المؤشر المخصص لطلبة في الخامسة عشرة، يتمثل في قياس قدرة الطالب على قراءة عدة نصوص والتمييز فيها بين الحقائق والآراء الشخصية، وهي مسألة لا يُدركها في عالمنا العربي إلا كبار الصحفيين والمثقفين.
لن تتطور الأوضاع في عالمنا العربي إلا بمناقشة حقيقية حول سؤال: ماذا نريد من التعليم على وجه الدقة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"