عادي

غزة تنتصر في معركة الحصار

13:54 مساء
قراءة 5 دقائق
ما كان للشعب الفلسطيني في قطاع غزة أن يموت من الجوع وقلة الدواء، بفعل الحصار المشدد واغلاق المعابر من جانب سلطات الاحتلال الاسرائيلي، ومنعها تزويد أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يقطنون في القطاع بالمواد الأساسية والدواء، فحدث ما كان سيحدث عاجلاً أم عاجلاً، عندما تدفق مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية عبر الحدود ''المستباحة'' في مدينة رفح، بحثاً عن الغذاء والدواء.. وربما الحرية المفقودة في القطاع المحاصر والفقير، والذي يواجه ضغطاً عسكرياً اسرائيلياً متنامياً. ما حدث فجر الأربعاء من الأسبوع الماضي لم يكن مستغرباً، عندما بادر فلسطينيون مجهولون لتفجير ثغرات واسعة في الجدار الخرساني، الذي أقامته سلطات الاحتلال الاسرائيلي على الحدود المصرية الفلسطينية قبل عام من انسحابها أحادي الجانب من القطاع في صيف العام ،2005 وما تلا هذا التفجير من تدفق مئات الآلاف إلى المدن المصرية الثلاث (رفح المصرية والشيخ زويد والعريش) المتاخمة للقطاع، للتزود بالمواد الأساسية من دواء وغذاء ومواد بناء، بعد نحو ثمانية شهور من الحصار الخانق واغلاق المعابر، المضروب على القطاع منذ وقوعه في قبضة حركة حماس منتصف يونيو/حزيران الماضي.حسناً فعلت القيادة المصرية، بسماحها للآلاف الذين تدفقوا نحو الحدود في سيول بشرية من مختلف أنحاء القطاع، الذي يحده البحر من الغرب، بينما تحيطه من الشمال والشرق حدوده مع فلسطين المحتلة عام ،48 المسيطر عليها من جانب قوات الاحتلال الاسرائيلي، في وقت تدرك مصر أن حدودها مع القطاع تعتبر الحلقة الأضعف، التي سيلجأ إلى كسرها الفلسطينيون كلما ضاق بهم الحال في القطاع، وهو الحاصل فعلاً منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية مطلع العام ،2006 من حصار خانق، تطور تدريجياً منذ سيطرة حماس على القطاع، خصوصاً عقب القرار الاسرائيلي باعتبار القطاع كياناً معادياً، وصولاً إلى سلسلة القرارات التي اتخذتها حكومة الاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين بإحكام اغلاق المعابر وحظر تزويد القطاع بالوقود اللازم للكهرباء وحركة السيارات، وقائمة طويلة من البضائع والمواد المنوعة.لقد عانى قطاع غزة من حصار حديدي ظالم، اشترك فيه المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، عبر مساندة انفراد الدولة العبرية في التحكم بمصير أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ، اعتقاداً منها أن بحصارها تشدد الخناق على حركة حماس، وربما تساهم في سقوطها سريعاً بدفع الناس إلى الثورة ضدها، لكن تفجير الحدود مع مصر كان بمثابة تنفيس لقدر الضغط، الذي كان مقدراً له الانفجار في أي لحظة.لا يمكن قصر توصيف ما يحدث على الحدود المصرية مع القطاع يومياً ومنذ عملية تفجير الحدود، على أنها هبّة جماهيرية عفوية بحسب قادة في حركة حماس، فما يحدث ما كان له ان يكون ابتداءً من التفجير وانتهاء بتسهيل التدفق البشري اليومي، لولا رغبة وموافقة حركة حماس، التي تسيطر على مفاصل الحياة في القطاع، لكن من المستبعد أن تكون الحركة نسقت خطوتها التي حققت فيها نصراً كبيراً بسحب فتيل الانفجار عبر كسر حلقة من حلقات الحصار، مع مصر، رغم أنه يسجل لمصر تعاطيها الايجابي مع مبادرة فتح الحدود، وتحديها لسيل الانتقادات من دولة الاحتلال والادارة الأمريكية، رغبة منها في التخفيف عن المحاصرين في غزة، وادراكاً منها أن استقرار القطاع يصب في مصلحتها وأي توتر أو عنف سينعكس سلباً عليها، وهي خطوة مهمة تستحق الاشادة والتأييد، وفرصة تستوجب البناء عليها وعدم التفريط بها.صحيح أن الفلسطينيين في غزة تنفسوا نسيم الحرية، ولو لأيام، وتزودوا بكل ما يحتاجونه، لكن الرابح الأكبر من وراء مبادرة فتح الحدود مع مصر هي حركة حماس وحكومتها المقالة في القطاع، ففضلاً عن كسرها حلقة من حلقات الحصار، وتخفيفها من وطأته الخانقة على المدنيين، فإنها حققت مكاسب مهمة، عبر اعادة الاعتبار لمطالبها الدائمة بأن يكون معبر رفح الحدودي معبراً ثنائياً بادارة فلسطينية - مصرية، ومن دون رقابة اسرائيلية أو اشراف دولي، وتجاوز اتفاقية المعبر الموقعة بين السلطة الفلسطينية ومصر والدولة العبرية باشراف الاتحاد الأوروبي عقب الانسحاب الاسرائيلي من مستوطنات القطاع في العام ،2005 وهي الاتفاقية التي ترى فيها حماس استمراراً للتحكم الاسرائيلي في حرية حركة سكان القطاع.ويبدو أن الدعوات المتكررة من قبل حركة حماس في خصوص تحديد آليات جديدة لإدارة الحدود، ومعبر رفح، ستجد هذه المرة من يهتم بالاستماع لها ودراستها، خصوصاً بعد الموقف الرسمي المصري برفض اغلاق الحدود مع القطاع قبل تمكين الفلسطينيين من التزود بكل ما يحتاجونه من مواد وبضائع، إضافة إلى دعوتها حركة حماس وحكومتها المقالة في غزة، وقيادة السلطة في رام الله إلى القاهرة للتباحث مع كل فريق على حدة، في شأن ادارة معابر القطاع.وتظهر من وراء الدعوة المصرية تساؤلات كثيرة ستجيب عنها الأيام المقبلة، انطلاقاً من مصلحة مصر ألا تبقى الحدود مع القطاع على وضعها الحالي من دون اجراءات قانونية تتيح لها مراقبة حركة التجارة والأفراد، وأهم هذه التساؤلات هل ستعتمد مصر نظام الحدود المفتوحة مع القطاع إلى مدينة العريش (50 كيلو متراً عن الحدود) بعد الاتفاق مع الأطراف الفلسطينية على اجراءات معينة، تتيح للفلسطينيين في القطاع التزود بما يحتاجونه كلما اشتدت بهم الأزمة، حرصاً منها على عدم انفجار مخزن البارود في غزة، أم أن مصر ستضغط على الفريقين الفلسطينيين المتخاصمين للتوصل إلى آلية لادارة معبر رفح، بما يتيح حرية الحركة والتنقل لسكان القطاع؟واستباقاً لنتائج الحوارات المنفصلة التي ستجري بين القيادة المصرية وقادة الفريقين المتخاصمين، فإن معبر رفح، الذي يعتبر المنفذ الوحيد لسكان القطاع مع العالم الخارجي، لا ينبغي له أن يعود إلى الآلية التي كان يدار بها سابقاً، فبقاء السيطرة الاسرائيلية بأي شكل على المعبر بحيث تتحكم في فتحه واغلاقه، سيقود إلى أزمات كثيرة لاحقاً، ما يستوجب من مصر جهداً غير عادي سواء على الصعيد الدولي او الفلسطيني، كي تتم ادارة المعبر من قبلها وبمشاركة الرئاسة الفلسطينية، وبالتنسيق مع حركة حماس المسيطرة على القطاع، إلى حين حل الأزمة الداخلية.ولا يمكن هنا اغفال المصلحة المصرية من وراء ما حدث على الحدود، وطريقة تعاطيها مع الأمر.فكثيرون يعتبرون الموقف المصري تجاه تفجير الحدود وتدفق الفلسطينيين إلى أراضيها، رداً على الرفض الاسرائيلي المتكرر للمطلب المصري، بتعديل معاهدة كامب ديفيد، بحيث تسمح بزيادة القوات المصرية المرابطة على الحدود، ورداً من جهة ثانية على السياسة الأمريكية إزاء مصر، وتقليص المساعدات السنوية لها، ومحاولات تهميش دورها الحيوي في المنطقة العربية.واستغلت مصر التطورات الحاصلة على الحدود، بدعوة حركتي فتح وحماس إلى استئناف الحوار الوطني، وانهاء حال الانقسام الحاد في الساحة الفلسطينية، ادراكاً منها أن استمرار الأزمة الداخلية الفلسطينية سيقود إلى مزيد من الأزمات، ورغبة منها في قطع الطريق على الأصوات الاسرائيلية التي نادت بأن تتحمل مصر المسؤولية عن القطاع، وبالتالي تعزيز الانقسام مع الضفة الغربية، وهو ما ترفضه مصر والأطراف الفلسطينية، كونه يدمر حلم الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 في الضفة الغربية والقطاع.إنّ الفلسطينيين مطالبون الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة، عبر الاستجابة للدعوة المصرية في شأن الحوار وادارة المعابر، بعدما أثبتت تجربة الشهور الثمانية الماضية من سيطرة حماس على القطاع، أن الانقسام شكّل فرصة ثمينة للدولة العبرية لتصدير أزماتها الداخلية إلى الساحة الفلسطينية مرة، والتهرب من الاستحقاقات السياسية مرات كثيرة، لذلك يتوجب انهاء هذه الحال التي تكاد تقود المشروع الوطني الفلسطيني إلى الهاوية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"