الكابوس الصيني في واشنطن

04:21 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يستمر الشد والجذب بين الولايات المتحدة والصين حيال ملفاتهما العالقة، كورونا وهونج كونج وتايوان والتجارة والفضاء والمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، وأي واحد من هذه الملفات يشكل صاعقاً لتفجير أزمة كبرى، بين القوتين العظميين، على الرغم من أن الواقع الجيوبوليتيكي لا يساعد أي منهما على الصدام مع الآخر، في المدى المنظور.

بسبب قانون الأمن القومي في هونج كونج، تبادلت واشنطن وبكين التصريحات النارية، وأعرب مسؤولون أمريكيون عن خشيتهم من تضرر الحريات وحقوق الإنسان في تلك المدينة- الدولة. وأطنب وزير الخارجية مايك بومبيو في التخويف وإثارة الفزع مما يسميه «المد الشيوعي». كما كرر تحذير حلفاء بلاده، خاصة الأوروبيين، من التعرض لخطر قادم من الشرق، قي خطاب يستحضر أدبيات الصراع مع الشيوعية السوفييتية، على الرغم من الاختلاف الجوهري بين التجربتين. وبمقابل الحنق الأمريكي، يرد المسؤولون الصينيون بإشارات ساخرة إلى ما يجري في الولايات المتحدة على خلفية التظاهرات والحركات الاحتجاجية ضد التمييز والعنصرية، وهو ما يساهم في تعميق شعور واشنطن بالعجز إزاء التحديات القاسية التي باتت تواجهها داخلياً وخارجياً.

عندما يقول الرئيس دونالد ترامب إنه يشعر بغضب متزايد تجاه الصين التي أصبحت كابوساً مزعجاً بالفعل، فهو يعبر عن وجع أليم تشعر به الولايات المتحدة بسبب خسائرها البشرية والاقتصادية الفادحة جراء جائحة فيروس كورونا، لكنه يعبر، في الوقت ذاته، عن إحباط يتزايد لديه من قوة الصين التي كسبت أوراقاً مهمة في العالم منذ بدء كورونا، بينما تجني الولايات المتحدة الخيبة تلو الأخرى. ومن خلال العاصفة التي أحدثتها الجائحة الصحية، تمكنت الصين من كسب مواقع متقدمة في مختلف المستويات، واستطاعت أن تبدو في نظر الآخرين الدولة المقتدرة على تطويق الفيروس وهزيمته، متجاوزة بذلك كل حملات النقد والتشكيك، بينما تتسع معاناة الولايات المتحدة مع هذا الوباء وتداعياته الكثيرة.

كل المعطيات تشير إلى أن واشنطن أصبحت في مأزق كبير، وتتحسب لمستقبل علاقاتها مع الصين بسيناريوهات عديدة، أقصاها الحرب وأدناها الضغط الدبلوماسي. أما نظام العقوبات الذي يعتبر السلاح المفضل لدى ترامب فلم يعد ذا جدوى كبيرة، ولم ينفع مع دول أقل شأناً، فضلاً عن قوة عظمى مثل الصين تسابق الزمن للتربع على عرش المجتمع الدولي خلال سنوات قليلة. وهذا الأمر هو الذي يشكل كابوساً فعلياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر من تداعيات فيروس كورونا، ولذلك بدأ البحث في واشنطن عن خطط لمواجهة الخصم العنيد في المستقبل القريب للحيلولة دون تحقيق طموحاته التي لا يحدها سقف. وبناء على ذلك، بدأ التحضير ليكون العالم كله مسرحاً للمواجهة الأمريكية- الصينية، ضمن حرب باردة غير معروفة العواقب، وقد تزداد حرارة تلك الحرب قليلاً في المحيط الهادئ الذي سيقاوم فيه الأمريكيون كل الخطط الصينية الرامية للهيمنة على ذلك المحيط وممراته ودوله لغايات اقتصادية وسياسية صرفة، تمهيداً لطموحها في بلوغ قمة القرار العالمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"