لقاح من الماضي

04:09 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

صرح أحد العلماء البريطانيين أن فيروس «كورونا»: «سيبقى معنا إلى الأبد»، حيث سيصبح مثل الإنفلونزا الموسمية التي تحتاج إلى تطعيم دوري، أما منظمة الصحة العالمية فتتوقع أن يتغلب البشر على الوباء خلال عامين. ولا يشعر متابع أخبار «كورونا» بالتفاؤل تجاه الحالتين، فما معنى أن يبقى الوباء إلى الأبد؟، وهل نمارس أنشطتنا اليومية لسنوات طويلة مقبلة، ونأخذ في الاعتبار القواعد الاحترازية نفسها؟ فضلاً عن أنه بفرض أننا تجاوزنا كورونا خلال عامين وفق المنظمة فإن الحياة، الاجتماعية والاقتصادية، تتطلب أكثر من عامين آخرين لتعود إلى طبيعتها. والملاحظة الأهم هنا، أنه برغم مرور أشهر طويلة على انتشار الوباء، ما يعني دراسته والتعامل معه إلا أن مساراته المستقبلية، أي طفراته المقبلة لا يزال يشوبها الغموض وتضارب الآراء، بما يؤكد أن العالم لم يكن مستعداً لمثل هذا الوباء.
في كتاب صدر منذ أسابيع قليلة بعنوان «الوباء الذي قتل 180 ألف مصري»، يرسم الدكتور محمد أبو الغار صورة طبق الأصل لما نشهده الآن خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية، فمنذ أكثر من مئة عام، عاش العالم الظروف نفسها: حالات تقترب أعراضها من كورونا تدخل المستشفيات باستمرار، فرض عزل صحي في بعض المناطق، نداءات بتطبيق التباعد الاجتماعي، توصيات بإجازات للعاملين وإغلاق المدارس، تخفيف التجمعات في المناسبات المختلفة، نصائح بالكمامات والتعقيم والنظافة المتواصلة، فضلاً عن أزمة اقتصادية صاحبت الوباء أضيف إليها تبعات الحرب العالمية الأولى..إلخ. ومن يطالع الكتاب يشعر بأنه في قلب أحداث فيروس «كورونا»، ولكن الإنفلونزا الإسبانية رحلت مخلفة 180 ألف ضحية في مصر، وحوالي 50 مليوناً آخرين في مختلف أرجاء العالم.
يخبرنا الكتاب أيضاً أن العالم شهد ثلاث موجات من الإنفلونزا بعد ذلك في أعوام 1957 و 1969 و2009، أي أن الجامعات والمراكز البحثية والمختبرات العلمية على وجه التحديد، لا بد أن تكون على معرفة وتوقع كبيرين بتفاصيل أي موجة إنفلونزا ضخمة مقبلة.
لا يفرض فيروس «كورونا» مراجعة للبنى الصحية الأساسية في هذه الدولة أو تلك، أو مراجعات لفرص التنمية المهدرة في أكثر من مكان، ولكنه يتطلب أيضاً قراءة نقدية للبحث العلمي على مستوى عالمي، خاصة أن الوعود العلمية خلال العقدين الأخيرين تحديداً، كانت ذات خيال جامح. فالعلم في أبسط قواعده يقوم على الرصد والملاحظة ودراسة المرض أو الوباء بدقة من مختلف أبعاده للوصول إلى نتائج يمكن الاستفادة منها في الراهن، وتوظيفها لاستشراف المستقبل في أمراض أو أوبئة متوقعة، ولكن هذا لم يحدث في حالة فيروس «كورونا». فعلى مدار قرن وأربع حالات مماثلة لم نتحصن بلقاح ما حدث لنخرج سريعاً من أزمة «كورونا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"