عادي

ناجورنو كاراباخ.. الحــرب المفتوحــة

00:49 صباحا
قراءة 4 دقائق
سياسي

إعداد: أحمد البشير

في صباح الأحد الموافق 27 سبتمبر/أيلول، استيقظ بعض سكان العاصمة الأرمينية يريفان، ليجدوا أن الإنترنت الخاص بهم اخترق مع تغيير اسم شبكات «الواي فاي» في منازلهم إلى «كرباخ هي أذربيجان»، وهو اقتباس مباشر من الرئيس الأذري إلهام علييف. وكان ذلك بمثابة إعلان عن بدء الحرب. 

مثل السيارة المعطلة، تباطأت عقود من مفاوضات السلام بين أرمينيا وأذربيجان حول مرتفعات ناجورنو كاراباخ، إلى أن توقفت. ولم تحقق «مجموعة مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا  وهي مسار المفاوضات الوحيد منذ عام 1994  أي اختراقات، كما لم تطرح أي اقتراح رئيسي لتحقيق السلم منذ عام 2007. وفي السنوات الأربع الماضية؛ أي منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ساد الهدوء إلى حد ما. 

التحرك الأذري

وهذه «الفجوة في الحوار» كما وصفها الصحفي البريطاني توماس دي وول، أدت إلى تدهور الوضع بوتيرة سريعة؛ إذ أصبحت الخطابات أكثر حدة وتصلبت مواقف الطرفين المتصارعين، وأضحى دور مفاوضي مجموعة مينسك أكثر صعوبة وتعقيداً. ولم تفسح أذربيجان وأرمينيا أي مجال للاتفاق بشأن أي من المسائل الجوهرية العالقة، من إمكانية نشر قوات لحفظ السلام إلى الحفاظ على الحكم الذاتي للأغلبية الأرمينية المقيمة في ناجورنو كاراباخ. وبسبب خيبة أملها في عدم إحراز تقدم دبلوماسي نحو هدفها، تحركت أذربيجان مع حلفائها في تركيا لتسوية القضية على الأرض في أواخر الشهر الماضي. 

وأطلقت أذربيجان عملية عسكرية منسقة للسيطرة على ناجورنو كاراباخ، في وقت كان فيه العالم منشغلاً بجائحة «كورونا» وآثارها الاقتصادية المدمرة والدورات الانتخابية، مما قوض قدرة الدول الأخرى التي قد تتدخل لوقف الاشتباكات. 

 التدخل التركي 

ومنذ استئناف الأعمال العدائية في كاراباخ، اختلف خطاب أنقرة بشكل كبير عن خطاب بقية المجتمع الدولي، حيث دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وإيران، إلى وقف إطلاق النار. ومن ناحية أخرى، أعربت تركيا عن دعمها المطلق لأذربيجان، وقالت إنه من دون وجود حل مستدام، فإن وقف إطلاق النار لا معنى له. 

ويوضح موقف أنقرة تغييراً واسع النطاق في سياساتها الخارجية، مدفوعاً برغبتها في الانخراط بشكل مباشر واسع في النزاعات الإقليمية، بهدف اكتساب الأهمية والتأثير. 

كما يأتي دعم تركيا السياسي لأذربيجان في أعقاب حقبة من التعاون الاقتصادي والعسكري؛ إذ لعبت أنقرة دوراً فعالاً في تطوير الجيش الأذري عبر تقديم الاستشارات وبرامج التدريب العسكرية المنتظمة، فضلاً عن تزويدها بالأسلحة والدبابات والطائرات بدون طيار. 

 وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الحل الوحيد للصراع يمكن أن يتحقق من خلال الانسحاب الكامل للقوات الأرمينية من كراباخ، إلا أن هذا الهدف، يهدد بفتح ساحة أخرى للمواجهة بين تركيا وروسيا. 

 الأطلسي يتدخل كلامياً

ويبدو أن الصراع الأخير أشعل معركة جديدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث ضغط أعضاء الحلف على تركيا للتراجع عن سياساتها الخارجية العدوانية، ودعم عملية وقف إطلاق النار في القوقاز. 

وقد دعا الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، تركيا إلى نزع فتيل الأزمة، بالنظر إلى عقود من دعمها لأذربيجان. وقال إن على جميع الأطراف وقف القتال على الفور، موضحاً أنه يتوقع من أنقرة استخدام نفوذها الكبير في تهدئة التوترات، إلا أن تركيا تحدت النداء المشترك من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا من أجل وقف فوري لإطلاق النار في ناجورنو كاراباخ، وبقيت تدعم الطرف الأذري. 

إن دخول تركيا في الصراع الأذري  الأرميني، بما في ذلك إقحام مرتزقة سوريين في المواجهة العسكرية، سبب إحراجاً لبعض أعضاء «الناتو» الأقوياء، وأيضاً إلى روسيا، ويخشى المحللون من أن الصراع قد يتحول إلى مواجهات إقليمية أوسع.

أطراف عملية السلام 

ولتجنب التصعيد في ناجورنو كاراباخ، عرضت أرمينيا العودة إلى طاولة المفاوضات، ووافقت أذربيجان، ولكن بشروط مسبقة شديدة من بينها وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأرمينية من المنطقة، وتقديم اعتذار للقيادة الأذرية. وبعبارة أخرى، لا يزال الطرفان متباعدين حول آلية العودة إلى المفاوضات. 

وفي الأوقات السابقة، كان بإمكان الولايات المتحدة لعب دور الوسيط الرئيسي، لكن بالنظر إلى عوامل التشتيت الداخلية التي تمر بها البلاد حالياً، فمن غير المرجح أن تتوسط واشنطن في حل أزمة ناجورنو كاراباخ. 

وكانت روسيا دائماً القوة المهيمنة في المنطقة والعضو الرئيسي في «مجموعة مينسك»، حيث لديها نفوذ في أذربيجان وأرمينيا على حد سواء، كما تبيع الأسلحة لكلا الطرفين، وتسهم في تصدير النفط الأذري وتربطها علاقة وثيقة مع القيادة في باكو، لكن مستوى مشاركة موسكو بدا أقل بشكل ملحوظ مما كان عليه الأمر في الأزمات الإقليمية السابقة، في حين تلعب تركيا دوراً رئيسياً في تأجيج الصراع، ما يعني أن الأمر سيتطلب الضغط بقوة على أنقرة، وتقديم تنازلات لها، من أجل أن تقنع حكومة باكو بالتراجع. وقد تكون أسرع طريقة لإنهاء القتال هي عبر عقد اتفاق روسي  تركي لإنهاء الصراع، ربما في مقابل مصالح في سوريا وليبيا التي تتمتع فيها كلتا القوتين بنفوذ كبير. 

ولكن من دون تدخل أمريكي جذري أو حل تقوده روسيا، قد يكون الأمل الأخير هو دور أعلى مستوى وأكثر نفوذاً لأوروبا، ولكن ستكون هذه المهمة شائكة بالنسبة لبروكسل، لا سيما في سياق النزاعات الأخرى مع تركيا في ما يتعلق بقبرص والتنقيب عن النفط في شرق البحر الأبيض التوسط. ويمكن لفرنسا التي تشغل منصب الرئيس المشارك في مجموعة مينسك، أن تقود المهمة الأوروبية، لكنها قد تحتاج إلى شريك آخر لدفع العميلة، وقد تكون ألمانيا الشريك المناسب، حيث تحظى بتقدير جيد من كلا الجانبين، وتدعم ذلك المكالمات الهاتفية التي أجرتها المستشارة أنجيلا ميركل مع القادة في باكو ويريفان، في وقت مبكر من الصراع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"