كيف ولماذا يحدث التعلم عند هابرماس؟

22:53 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*
إن اختيار التعلم الجيد جزء لا يتجزأ عن العمل التنظيمي والمؤسسي ويعد من أكبر التحديات أمام التنمية، وهنا لابد من الرجوع إلى نظرية هابرماس للفعل التواصلي التي يتردد صداها بقوة مع النظريات الاجتماعية للتعلم، التعلم الاجتماعي للتنمية ومشاركة المعرفة، بل اكثر من ذلك الفعل التواصلي يتردد صداه أيضاً مع التفكير التنموي حول مداخل المشاركة للتعلم والمعرفة والفعل. 
وكان السؤال الذي طرحه هابرماس: ما هو الملمح الأساسي الذي يجعلنا بشراً؟ هذا السؤال البسيط هو القوة الدافعة وراء عمل هابرماس، وإجابته هي: قدرتنا على التفكير والتأمل في ما نفعله وما نتعلمه. ويناقش هابرماس هذه القابلية الأساسية والتي توجد في كل البشر، وهي مصدر قدرتين، هما: قدرتنا على العمل التي يعني بها هابرماس قدرتنا على تحويل بيئتنا الفيزيائية أو الطبيعية للاستعمال الإنتاجي. وقدرتنا على التفاعل والتواصل مع بعضنا بعضاً ليس لمجرد الإحساس بنقل المعلومات، ولكن لتبرير أفكارنا في شكل مناقشة، أو مناظرة في موضوع ما، أو اعتراض على شيء ما. 
هابرماس ليس أول شخص بالتأكيد يشير بوضوح إلى القدرة الأولى، ففي القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، شكلت القدرة على العمل الافتراض الأساسي في العمل عند كارل ماركس، وينتمى هابرماس نفسه إلى المدرسة الماركسية الجديدة في التفكير، ولكنه لم يقدم نقداً للماركسية الكلاسيكية التي تتعلق بإهمال ماركس للقدرة الثانية التي ذكرناها أعلاه، ويناقش هابرماس بالنسبة لماركس قدرتنا على تحويل البيئة المادية التي تسيّر كل شيء تفعله مؤسسة الإنتاج والمجتمع الرأسمالي ومن ثم التغير الاجتماعي، ومع ذلك فإن هابرماس يصر على أن الشكل الذي يحدث فيه التغيير ليس محتوماً، وأن الميكانزيم الذي نغير به المجتمع هو قدرتنا على التواصل. 
هذا الجدال الدائر بين أفكار هابرماس وماركس يتم استخدامه ليعطي أولى مناطق اهتمام الباحثين شكلاً وجوهراً: كيف ولماذا يحدث التعلم؟ وما معنى التنمية التي يرى أحد المحللين أنها عملية تاريخية تشير بشكل واضح إلى نزعة رأسمالية تبنى فوق نفسها في عملية دورية، أو متلازمة وأن منافسة السوق الملازمة للرأسمالية تدفع إلى الابتكار التكنولوجي الذي يخلق بدوره كل المنتجات والعمليات الجديدة؟ تفترض هذه العملية المتلازمة للرأسمالية أن لدينا القدرة على المشاركة في الابتكار التكنولوجي الذي بدوره يعتمد على استنباط معارف جديدة من خلال التفكير والتواصل، بمعنى آخر، فمن خلال التعلم يمكن تعريف الابتكار التكنولوجي على أنه المعرفة من أجل الاستخدام الإنتاجي، إنها المعرفة المرتبطة بقدرتنا الأساسية على العمل بمعنى أن نحول الطبيعة ونتعلم لمعرفة الجديدة من خلال وبسبب ديناميكية الرأسمالية. 
حيث يفترص هابرماس اهتمامات ثلاثة للمعرفة، هي:
(1) المعرفة التقنية: تهدف إلى إعادة الإنتاج المادي للمجتمع وكيف يتحكم الفرد ويؤثر في بيئة الوسائلية وترتكز إلى حد كبير على المداخل العلمية. 
(2) المعرفة التأويلية التفسيرية: وتهدف إلى إثراء الفهم وتحويل الوعي وتحويل الوعي من خلال رباط من القواعد السلوكية المقبولة. 
(3) المعرفة التحررية: وتهدف إلى كسر القيود والتحرر من التركيبات التي تحدد خياراتنا والتي اعتبرت حتى الآن خارجة عن التحكم الإنساني، ويشمل ذلك التفكير الذاتي النقدي الذي يمكن الناس من التعرف إلى مصادر مشاكلهم. ويعتبر تقسيم هابرماس للمعرفة أهم عامل يستشهد به من أعماله. والمسألة لذلك، ليست فكرة التنمية بأنها عملية تاريخية، كما عبّر عنها أحد المحللين، إنها خطأ، بل يهمل شيئاً ما، إننا لا نفكر ولا نتواصل فقط من اجل أن ندفع بالرأسمالية للأمام، إن التفاوتات الاجتماعية البنائية المصاحبة لنمو الرأسمالية مع بعض التأثيرات الأخرى الإيجابية والسلبية تولد أيضاً عمليات جوهرية أوسع من التفكير والتواصل في المجال الاجتماعي، وهذا ما أدى إلى التغير الاجتماعي. 
ومع ذلك، يري بعض النقاد أنه يمكن الاعتراض على تفاؤل محدد عند هابرماس، وبسبب هيمنة النظام الرأسمالي الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي فإنها تميل إلى الاندماج مع الواقع. 
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"