من يخلف هونج كونج من الشموس الآسيوية؟

22:10 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

يرجع إصدار الصين قانون أمن هونج كونج لاعتقادها أن ما يجري في الجزيرة من تزايد الاضطرابات السياسية تحت ستار الحريات هو بمثابة «شوكة غربية» في خاصرة الصين، و«باب خلفي لزعزعة استقرارها». وإصدار الصين ذلك القانون أغضب الولايات المتحدة الأمريكية فأنهت واشنطن المعاملة التفضيلية لهونج كونج. وفي الواقع، يستند الغضب الأمريكي المعلن إلى حجة قانونية مفادها أن استعادة الصين للجزيرة من بريطانيا عام 1997 تم وفق معاهدة مسجلة في الأمم المتحدة تضمنت ضمانات صينية تكفل لهونج كونج حرياتها، واستمرار الحكم الذاتي فيها لمدة خمسين عاماً، وفق مبدأ «دولة واحدة ونظامان»، وأصبحت منطقة إدارية خاصة تابعة للصين. وهو ما لم تلتزم به الصين بإصدارها قانون أمن هونج كونج. 
كما أدت اتفاقات التنقل المتبادلة من دون تأشيرات وربط العملة بالدولار الأمريكي، علاوة على القوانين التي تسهل الأعمال التجارية والحمايات الضريبية والقانونية إلى ازدهار الجزيرة ودوران عجلة التجارة، لا بل وتحولت إلى مركز مالي عالمي يوازي لندن ونيويورك. علاوة على ذلك كانت واشنطن تأمل أن يكون شعار «دولة واحدة ونظامان» نموذجاً جيداً لتايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي وترى الصين ضرورة عودتها إلى حضن الوطن الأم من دون أن تفقد خصوصيتها الديمقراطية. وإلغاء الولايات المتحدة الأمريكية الامتيازات التجارية يخضع الجزيرة للتعريفات الجمركية الانتقامية الأمريكية ضد الصين والتي تصل إلى 25%، ما يؤدي إلى خروج هائل لرؤوس الأموال الأجنبية منها، وانخفاض حاد في دورها الاقتصادي. فجزيرة هونج كونج تعيد تصدير 89% من إجمالي وارداتها، ونصف حجم تلك المنتجات المعاد تصديرها تتجه إلى الصين. كما يتم شحن 12% من إجمالي صادرات الصين إلى الولايات المتحدة عبر هونج كونج. وتتمتع الشركات التي تتخذ من هونج كونج مقراً لها، وعددها أكثر من 1500 شركة عالمية، (20% منها أمريكية)، بمزايا مختلفة، مثل انخفاض ضرائب الشركات والمعاملات المستقرة للعملة المحلية.. وإذا فقدت هونج كونج وضعها التجاري الخاص، وانتهى بها المطاف لتكون منطقة محلية في الصين، فسوف تقرر تلك الشركات المغادرة لأنها لن تتلقى المزايا التي تتمتع بها. وسوف يؤدي هذا حتماً إلى الإضرار بدور المدينة كمركز مالي آسيوي رائد. وبالفعل بدأت منافسة شرسة بين عدة دول آسيوية لكي تستولي على دور هونج كونج. منها، سنغافورة التي ترى أن اللغة والطقس والبيئة في سنغافورة مشابهة لتلك الموجودة في هونج كونج. ووفقاً لسلطات النقد في سنغافورة، ارتفعت الودائع غير المُقيِمة بنسبة 44% فور دخول القرار الصيني حيز التنفيذ في إبريل/ نيسان، وهو أعلى مستوى منذ عام 1991 عندما بدأ تسجيل البيانات ذات الصلة. 
أيضاً تحرص تايوان على جذب الشركات من هونج كونج. ويرى محللون أن العديد من الشركات المالية الأمريكية تفضل تايوان على سنغافورة. كذلك، فإن اليابان منافس متحمّس آخر. 
ولدى الصين أيضاً خططها الخاصة، فهي تعمل بنشاط على تعزيز شنجهاي وشينزن، وتخفيف اللوائح والشروط لاستقطاب الشركات. ولكن تلك الدول المرشحة لديها مزايا وعيوب. 
مثلاً، تتمتع سنغافورة ببيئة مالية مواتية مماثلة لبيئة هونج كونج، بينما ترتبط صناعة تايوان ارتباطاً وثيقاً بالصين. لكن أسواق الأسهم في كل من سنغافورة وتايوان أصغر بكثير من هونج كونج. وبينما سوق الأوراق المالية في اليابان كبيرة بما يكفي، إلا أنها تفتقر إلى البيئة الناطقة باللغة الإنجليزية.
هنا، لا يمكن إغفال الإمارات التي تمكنت من جعل نفسها مركزاً إقليمياً للأعمال والأنشطة الاقتصادية، وأحد المراكز المميزة والجاذبة على المستوى العالمي، وتمكنت من وضع نفسها كحلقة الوصل المتينة بين الأسواق الإقليمية من ناحية، والأسواق العالمية من ناحية أخرى، فاكتسبت سمعة عالمية كأحد مراكز إعادة التصدير المميزة على خريطة التجارة العالمية، ومثلت نقطة عبور للسلع والمنتجات من الأسواق الإقليمية إلى العالمية، وفي الاتجاه المعاكس أيضاً. كما أن الاقتصاد الإماراتي قد تمكن من الانتقال إلى الحالة التي هو عليها الآن، وهي حالة اقتصادية استثنائية لا تتوافر لغيرها من مناطق العالم، حيث يتسم أداؤها بالاستقرار المائل إلى الصعود عبر الزمن، وتتوافر فيها الفرص الاستثمارية الجاذبة، والقواعد المالية والنقدية المستقرة، وفيها قدر من الزخم التجاري المتصاعد، حتى إنها تعد الآن من الاقتصادات الأكثر يقيناً وثقة، والأقل تعرضاً للمخاطر في المستقبل. وتشبّه مراكز دراسات عالمية النهضة الاقتصادية التي تعيشها الإمارات بالمعجزة الاقتصادية التي تحققت في سنغافورة. كما أن للإمارات ميزتها الخاصة، وهي الجاذبية الثقافية التي لا تمتلكها الدول الأخرى وتسود فيها البيئة الناطقة باللغة الإنجليزية، بجانب العربية. وأضحى الاقتصاد الإماراتي رمزاً للاقتصادات الناشئة الجديدة التي تسمى أسواق الجبهة الأمامية.
وتتفق معظم الآراء على أن القرن 21 هو قرن آسيوي؛ فالآسيويون يرغبون في نظام شمسي يشمل شموساً عدة، من بينها شمس الإمارات.
* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"