انتخاب الفراغ

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

إذ يعقد مجلس النواب اللبناني اليوم جلسته الثانية عشرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته قبل ثمانية أشهر، يبدو أن الفراغ سوف يتواصل في ظل انقسام سياسي وطائفي حاد يلقي بظلاله على جلسة اليوم. فالمرشحان جهاد أزعور وزير المالية الأسبق، مرشح القوات اللبناية والتيار الوطني الحر والكتائب وحلفائهم، ورئيس تيار المردة وزير الداخلية الأسبق سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي وحلفائهما، لن يتمكنا من تجاوز حاجز ال 85 صوتاً، ذلك أن الجلسة الأولى تقتضي حصول الفائز على أكثرية الثلثين، من أصل 128 نائباً، وبالتالي لا بدّ من التوجه إلى جولة ثانية تقتضي حصول الفائز على 65 صوتاً، بشرط اكتمال النصاب، أي حضور 85 نائبأً. 

 وبما أن اكتمال النصاب في الجلسة الثانية مستبعد، في حال شعور أحد طرفي الصراع بعدم احتمال فوز مرشحه، فسوف يعمد إلى تطيير النصاب والانسحاب، وبالتالي إلغاء الجلسة، ويستمر الفراغ الرئاسي.

 وإذ يدخل الفراغ الرئاسي الحالي شهره الثامن ولبنان من دون رئيس، فالأمر ليس جديداً، فقد حصل الفراغ بعد نهاية ولاية الرئيس أميل لحود لمدة 181 يوماً، من 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 حتى 25 مايو(أيار) 2008، حيث تم انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي أعقبه أيضاً فراغ استمر 889 يوماً، من 24 مايو(أيار) حتى اكتوبر (تشرين الأول) 2016.

 ويتكرر الفراغ جراء انقسام سياسي وطائفي حاد غير قادر على التوصل إلى اتفاق بشأن رئيس يشكل قاسماً مشتركاً، وهو ما سيكون مدار مفاوضات واتصالات داخلية وخارجية في المرحلة المقبلة لعلها تتمكن من ردم الهوة بالتوصل إلى رئيس توافقي يرضي الطرفين المتصارعين.

 قد يتساءل البعض عن سبب هذه «الفراغات» المتكررة، وفي تكرار الأزمات السياسية والإقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

 السبب، هو النظام اللبناني الذي قام بعد الاستقلال عام 1943، على أسس طائفية ومذهبية تتحاصص فيها الطوائف والأحزاب الممثلة لها المناصب والمواقع الأساسية في الدولة خارج قاعدة الولاء الوطني، ما يؤدي إلى تغليب الولاء للطائفة والمذهب على الولاء للوطن، ما يجعل لبنان في مهب الصراعات والأزمات.

 من بين الرؤساء اللبنايين الذين كانوا خارج الاصطفافات الطائفية والسياسية هو الرئيس فؤاد شهاب الذي كان قائداً للجيش وتولى المنصب بعد أحداث عام 1958، حيث أحدث انقلاباً في الحياة السياسية والتنموية والاجتماعية، وكان نموذجاً للرئيس الذي يتمتع بحس وطني، وإيمان بإرساء العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، واحتقار الإغراءات، إذ أنجز في عهده بناء معظم مؤسسات الدولة الحالية، وعمم التنمية الشاملة والمتوازنة، وإيصال الكهرباء والمياه إلى معظم المناطق اللبنانية. وخلال فترة رئاسته من عام 1958 حتى 1964، لم يغره المنصب، ولا وقع تحت تاثير الطائفية، وعندما شعر بأن هناك هوة بينه وبين السياسيين حول النظر إلى لبنان وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة، أقدم على الاستقالة عام 1960، لكنه وتحت ضغط الشارع الذي رفضها تراجع واستكمل ولايته، ورفض كل محاولات التجديد له، معلناً تمسكه بنص الدستور الذي يحدد ولاية الرئيس.

 كان رئيساً استثائياً  لن يتكرر، في ظل نظام لا ينتج إلا الأزمات والفساد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yx2v69p7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"