عادي
بدايات تحرر المرأة في لوحة

فنانة إيطالية تؤرخ لعصر النهضة في «لعبة الشطرنج»

15:38 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحة الشطرنج

الشارقة: عثمان حسن

سوفونيسبا أنجيسولا (1532 - 1625)، فنانة إيطالية معروفة من عصر النهضة، ولدت في مدينة كريمونا لعائلة فقيرة نسبياً رغم كونها ذات جذور نبيلة، تلقت تعليماً جيداً في الفنون، وشكل تدريبها المهني على يدي الرسامين المحليين سابقة لقبول النساء كطالبات في الفنون. عندما كانت شابة، سافرت إلى روما حيث تعرفت إلى مايكل أنجلو، الذي أدرك موهبتها على الفور، وإلى ميلانو حيث رسمت دوق ألبا (الذي لقب بغراندي وهو لقب أرستقراطي يمنحه بعض النبلاء الإسبانيين).

كانت الملكة الإسبانية إليزابيث دي فالوا، رسامة هاوية حيث كلفت أنجيسولا بالذهاب إلى مدريد للدراسة في عام 1559، وبعدها أصبحت أنجيسولا رسامة بلاط رسمية للملك فيليب الثاني، وقامت بتكييف أسلوبها مع المتطلبات الرسمية للصور التي يحتاج إليها البلاط الإسباني. بعد وفاة الملكة، ساعد فيليب في ترتيب زواج أرستقراطي لها. انتقلت إلى صقلية، ولاحقاً إلى بيزا وجنوة، حيث واصلت ممارسة دورها كرسامة بورتريه رائدة.

أكثر لوحاتها تميزاً وجاذبية هي صورها الشخصية لعائلتها، والتي رسمتها قبل انتقالها إلى البلاط الإسباني، وأشهر هذه الصور بورتريهات الأطفال.

في إسبانيا، كانت واحدة من أنجح رسامات البلاط بين زميلاتها الفنانات.

في وقت لاحق من حياتها، رسمت موضوعات دينية، ضاع معظمها، وفي عام 1625، توفيت عن عمر 93 عاماً في باليرمو- إيطاليا.

كان لرسومات أنجيسولا، تأثير دائم على الأجيال اللاحقة من الفنانين، وقد فتح نجاحها الكبير الطريق أمام أعداد أكبر من النساء لمتابعة مهنة الرسم، ويمكن رؤية لوحاتها في صالات العرض في بوسطن (متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر)، و(متحف ميلووكي للفنون) وفي متاحف كثيرة في مدريد ونابولي وفلورنسا وغيرها من الدول الأوروبية.

وصفها جورجيو فاساري، وهو رسام ومعماري، وكاتب سير الفنانين الإيطاليين بقوله: «أظهرت أنجيسولا تطبيقات جميلة ورشيقة في الرسم أفضل من أية امرأة أخرى في عصرنا، كما نجحت ليس فقط في الرسم والتلوين وتمثيل الطبيعة، ولكن في خلق لوحات نادرة وجميلة جداً».

*الأسرة

عاشت أنجيسولا بين عدد كبير من الرسامين الذكور، وبسبب التقييدات التي كانت تفرض على المرأة، فقد أدى ذلك إلى تقييد خياراتها في الموضوعات التي ترسمها، رغم أن دافعها الحقيقي للرسم، كان نابعاً من كونها كانت تبحث عن المرأة الأفضل والزوجة الأفضل وكذلك الأم، وقد اختارت الموضوعات العائلية، وأشهر لوحاتها في هذا المجال هي «لوحة الشطرنج»، ولكنها تميزت في ابتكار تقنية لم تكن معهودة في الفن الإيطالي من حيث تصميمات الملابس المتقنة، وتعبيرات الوجه غير الرسمية، كما يظهر في: (بورتريه ذاتي 1554، بورتريه أميلكير، والأكثر شهرة لعبة الشطرنج)، وهذه الأخيرة أنجزتها وهي في عمر 23 عاماً.

*تفاصيل

«لعبة الشطرنج» أو صورة «لشقيقات الفنانة وهن يلعبن الشطرنج» هي لوحة زيتية على قماش أنجزتها أنجيسولا في 1555

الشخصيات الرئيسية في اللوحة تجسد الشقيقات الثلاث وهن: (لوسيا، منيرفا، يوروبا) وتظهر في اللوحة أيضاً الخادمة العجوز.

في حديقة لطيفة، تحرك لوسيا، المولودة الثالثة للعائلة بعض قطع الشطرنج، أمام شقيقتها مينيرفا التي تتفاعل مع خصمها العنيد لوسينا، فتجذب انتباه الشقيقة الصغرى يوروبا، التي تتابع اللعبة وتضحك، بينما تراقب الخادمة اللعبة بانتباه، هناك تباين واضح بين الشابات الثلاث في الرسم، والمرأة الأكبر سناً، فالشقيقات يرتدين جواهر وملابس مطرزة وتسريحات شعر متقنة. ترتدي مينيرفا القلادة نفسها التي ترتديها صورة سيدة شهيرة من برلين تدعى بيانكا بونزوني أنجيسولا، وهي بالطبع والدة الشقيقات الثلاث.

تدور أحداث الصورة في مكان محلي، وتحيط بها شخصيات ودودة، لكن القدرة التنافسية للعبة الشطرنج ظاهرة أيضاً، في الخلفية تظهر حديقة تضم شجرة بلوط قديمة، محملة بأغصان: إنها رمز لصلابة العلاقات الأسرية، وهناك منظر طبيعي أزرق فاتح، مطلي بالأسلوب الفلمنكي.

يعد «الزي الملكي» الباهظ الذي ترتديه شقيقات أنجيسولا الثلاث بمثابة مؤشر على أن الفنانة لم ترسم هذا المشهد لتوثيق حدث يتعلق باللعبة ذاتها بقدر إظهارها للزي الفاخر لشقيقاتها الثلاث، في إشارة أخرى لتمسك العائلة بتقاليد الزي المحلي، وما فيه من تطريز وإكسسوارات ونسيج، وذلك من خلال تصوير هذه المجموعة حول رقعة الشطرنج في نشاط مختلف عن الاهتمامات الرئيسية للفتيات كالتعليم الذي يناسب أعمار الفتيات في تلك الفترة.

*خلفية

كانت قواعد لعبة الشطرنج الجديدة سارية في إيطاليا في الزمن الذي أنجزت فيه الفنانة أنجيسولا هذه اللوحة، مما أدى إلى تغيير التسلسل الهرمي للسلطة بحيث احتلت الملكة أهمية قصوى من بين جميع قطع الشطرنج. ترسم أنجيسولا شقيقاتها الثلاث في هذا التكوين الجميل الذي يمتاز بإشراقة اللون، بينما تستثني شقيقها الأصغر (أسدروبال)، وتظهر اللوحة طاقماً نسائياً مختلفاً من حيث الشكل، وما يشير إليه الزي، عن غيرها من الأعمال الفنية التي رصدت لعبة الشطرنج في تلك الفترة الزمنية التي تعود إلى القرن السادس عشر: مثل لعبة الشطرنج لجوليو كامبي أو لعبة الشطرنج ل لوكاس فان ليدن. كان الشطرنج جزءاً من التربية الإنسانية، وكان يعتبر تمريناً فكرياً ممتازاً للإنسان، على النقيض من ألعاب الورق والنرد التي كانت محرمة على النساء، وكانت قائمة على الحظ، وليس على الذكاء.

تعد رسومات أنجيسولا بمثابة احتفال ذاتي بإنجازات المرأة وموهبتها وفي كيفية تحديها لماض استبعد النساء من الشطرنج والتمارين الذهنية.

*نقد

مثلت لوحات أنجيسولا بالنسبة لجمهور الفن والنقاد على حد سواء، ظاهرة طريفة وجديدة في الرسم، ففي «لعبة الشطرنج» نجحت الفنانة في تقديم مشهد عائلي حميم، يجمع بين التقنية الجديدة التي تبرز تعبيرات الوجه بصورة شفافة وغير نمطية بالنسبة للفن الإيطالي بوجه عام، ومن يدقق في هذه اللوحة على وجه الخصوص، يكتشف ملامح جديدة كأنها تستنطق الوجوه، وكأن أفراد العائلة يجرون حواراً حيوياً خارج حدود الاستعارات والكليشيهات التي تعود الفنانون اتباعها في الرسم.

1
سوفونيسبا أنجيسولا
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2838ecxx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"