عادي
5 قرون من تمثلات الحالة الجسدية والنفسية

الحرية ضاعفت من صعوبة الحياة

23:19 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

يشهد عصرنا الحالي امتداداً غير مسبوق للتعب، الذي بدت إمكانية كبحه أو تطويقه، أمراً صعباً، ويمتد هذا التعب من مكان العمل إلى المنزل، ومن أوقات الفراغ إلى السلوك اليومي، وتعددت أشكاله مع مرور الوقت، وتعددت معها التفسيرات، متخذة مجموعة من المظاهر التي تعبر عن الإنهاك والإرهاق الذهني والإجهاد البدني.

يشكل هذا الموضوع محور عمل جورج فيجاريلو «تاريخ التعب: من العصور الوسطى إلى أيامنا» (ترجمه إلى العربية محمد نعيم) حيث سلط فيه الضوء على التعب، عبر تقديم عرض تاريخي وفلسفي وأنثروبولوجي وسيكولوجي، مستنداً إلى عدد من القصص الدينية، والعسكرية، والعلمية، والثقافية، وقصص التقنيات، والأفكار، والأدب، ومجموعة من الوثائق والأرشيفات، في محاولة للإجابة عن أسئلة، ظلت تؤرق الجميع لقرون.

يرى عالم الاجتماع في كتابه أن اكتساب الفرد في المجتمعات الغربية للاستقلالية، وحلم التحرر، والحرية، ضاعف من صعوبة الحياة، حيث جعل فكرة العيش مع أي شيء قد تولد قيداً، ويكشف عن تاريخ لم يطرقه الدارسون كثيراً، رغم أنه غني بالتحولات والمفاجآت.

يتمدد نطاق التعب في عصرنا هذا على نحو لا يقاوم، فيقترح المؤلف علينا رحلة استكشافية تجوب مسافة خمسة قرون من تمثلات هذه الحالة الجسدية والنفسية، وما يرتبط بها من ذهنيات، فقد اقترن التعب خلال العصر الوسيط بالمحاربين المنهكين، أو المسافرين.

يختلف الشعور بالتعب والإرهاق من عصر إلى آخر؛ ففي العصور الوسطى، كان تعب الحاج المنهك الذي يشق طريقه بين الجبال، للوصول إلى الدير عبادة، كما أن تعب المقاتل في المعارك كان تعباً نبيلاً، في حين كان تعب المزارع في الحقول يواجه بنوع من الازدراء، وقد تطلب الأمر تطوراً ما، حتى تتغير هذه النظرة.

ركز القرن التاسع عشر على الطاقة وخسارة السعرات الحرارية، وهو ما كان يجري تعويضه بالغذاء، ومع ولادة المجتمع الصناعي، كان إرهاق العمال موضوع تقييم، غير أنه، في بداية القرن العشرين، بدأ التفكير في التغلب على الإرهاق ومقاومة التعب من خلال أنشطة متمثلة في الرياضة والاسترخاء والاستجمام.

وقد شهد القرنان العشرون والحادي والعشرون ظهور مجالات جديدة للتعب، حيث تميز القرن العشرون بالتطور التكنولوجي المتعاظم، والتوسع العمراني، وظهور علم النفس، وشهد أيضاً ازدهار مفهومي الإرهاق والإجهاد، وقد قام المؤلف برحلة تتقاطع مع تاريخ الجسد، والبنى الاجتماعية والعمل، والحرب والرياضة.

يلاحظ الكاتب ظهور الكلمات التي تشير إلى الظهور البطيء للإرهاق الذي لا يؤثر فقط في الجسد بل في العقل والروح والنفس، وكان الإرهاق الوحيد في العصور الوسطى هو إجهاد جسد المقاتل أو المسافر، ومن ناحية أخرى، لم تكن الفلاحة عملاً يسبب التعب في ذلك الوقت.

العبء النفسي

تستحضر الفصول الأخيرة من الكتاب الجوانب الحديثة للتعب، وسبل إدراكه يقول المؤلف: «أصبح التعب، والضعف المنتشر، وعدم الرضا المبهم، والقصور العنيد، إحدى طرائق الوجود في عصرنا» يكفي لإلقاء مزيد من الضوء على النقاشات المعاصرة، حول تعريف صعوبة العمل أو «العبء النفسي» فمع اشتداد الأزمة الصحية التي شهدها العالم بفعل جائحة «كورونا» يشعر الكثير منا بالتعب.

يقول «فيجاريلو»: عليك أن تتخيل «سيزيف» وقد أنهكه التعب، وهو يتخلى عن دحرجة حجره، سنشعر، آنذاك، بأننا قريبون منه لطالما حلمت البشرية بالأفعال الأكثر إسرافاً، والأكثر عظمة، مهما كانت متعبة» لقد أشار «أرسطو» إلى أن «كل الكائنات البشرية غير قادرة على أن تكون في نشاط مستمر» فقد عرفنا، دائماً، أن المشي لساعات، دون راحة، وقضاء عدة ليال بلا نوم، وحتى القراءة والمراقبة، والاستغراق في التفكير، كلها أمور ترهقنا، هذا الإرهاق علامة على محدوديتنا.

ازدادت أهمية الإرهاق النفسي، وتعددت أسبابه، كاشفة عن جوانب مختلفة من مجتمعنا: تغيرت ظروف العمل، وتحول المجتمع الواحد إلى مجتمعات مركبة؛ الأمر الذي يفرض خلق علاقة مع الآخرين؛ ما يؤدي إلى إرهاق نفسي، ويركز «فيجاريلو» على هذا النوع من الإرهاق الذي يصفه ب«العبء النفسي» وقد ربط بين تطور هذه المفاهيم وتطور المجتمعات البشرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw25mdzn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"