عادي

الكتاب العربي.. ثورة في الثقافة

23:12 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تؤكد بياتريس غروندلر في كتابها «نشأة الكتاب العربي»، ترجمة إبراهيم بن عبد الرحمن الفريح، أن دور الشرق الأوسط في التاريخ الثقافي لوسائل الاتصال، لم يحظ بالاهتمام، فنادراً ما يتم رصد التاريخ المبكر للكتابة واختراع الأبجدية، وظهور ثقافة الكتاب جنباً إلى جنب مع أحدث التغييرات الهائلة في الوسائط، مثل المطبعة أو الإنترنت.

يتعرض الكتاب لأساطين التأليف العربي المبكر، مثل الجاحظ وابن قتيبة، وأحد الأسباب أنهما درسا في دراسات مطولة، تثبت أن أعمالهما لم تكن فردية أو استثنائية، لكنها شكلت بداية لحركة أكبر في رواج الكتاب المخطوط.

تقول المؤلفة: «كان هدفي تسليط الضوء على غالبية الأفراد ممن هم أقل شهرة، أو المجهولين الذين كانوا جزءاً من هذه الحركة، وكانوا سبباً في تحققها، إذ لا تبدأ أي ثورة اتصالية إلا إذا تبنّى الوسيط الجديد، واستخدم استخداماً جماعياً لتتغير طريقة تواصل المجتمع ككل، هذا بالضبط ما حدث في القرن الثالث الهجري، ويعود ذلك إلى عدد لا يحصى من الأفراد غير المعروفين».

يتمحور تركيز المؤلفة في هذا الكتاب حول مرحلة مهمة من تاريخ الحضارة العربية، من النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الثالث، وهي المرحلة التي شهدت ازدهار الثقافة الكتابية ونهضة الثقافة العربية عموماً، وهو يُعنى بثقافة الكتاب العربي، من قضايا النشأة إلى الانتشار الواسع والقبول المذهل الذي حظي به.

وتتمثل أسئلة الكتاب في محاولة فهم كيفية حدوث هذا النجاح السريع للكتب المخطوطة العربية، والمؤثرات المشكلة لها، ثم في معنى هذا الوسيط الجديد لأولئك الذي قرأوا، وكتبوا، واستخلصوا، وجمعوا، وصنفوا، وأولئك الذين اشتروا الكتب وباعوها.

يشتبك الكتاب بهذه القضايا ويسعى إلى الإجابة عن الأسئلة السابقة باختيار حصيف لأخبار عميقة نقاشات دالة لعلماء وشعراء وورّاقين وقراء، منذ منتصف القرن الثاني الهجري، ضمن قصة نهضة الكتاب العربي المخطوط، وازدهار حركة التدوين في العصر العباسي، وهو ما تسميه المؤلفة «ثورة الكتاب العربي» بما نشأ عنها من رواج تأليف الكتب وتداولها، وشيوع المكتبات وحوانيت بيع الكتب، ونهضة الثقافة الكتابية عموما، التي بقيت آثارها عميقة ومشكلة للثقافة العربية.

تكمن أهمية هذا الكتاب وقيمته في تأكيده الدور المركزي التاريخي لثقافة الكتاب العربي، رغم تواري هذا المخطوط ضمن المنعطفات التاريخية للتواصل البشري مقارنة بالأثر الذائع للطباعة بالأحرف المتحركة، لقد كان المخطوط وسيطاً ناشئاً لنقل المعرفة وفي عنايته الدقيقة بالتوترات والصراعات والنقاشات التي تمحورت حوله وشكلته، من خلال استقراء واسع وتتبع دقيق ومنهج علمي صارم، تعززه خبرة مؤلفته العريضة بالتراث العربي وإنتاجها البحثي الغزير في دراسة الأدب العربي القديم والكتابة العربية وتطورها وتاريخ الكتاب.

تشير المؤلفة إلى أن الكتاب المخطوط لم يكن في حد ذاته اختراعاً جديداً عندما دخل العالم العربي في آخر القرن الثامن وبداية التاسع، فقد عرفه الرومان منذ عهد شيشرون، وكان قد تفوق على ورق البردي في العصور الوثنية، واعتمد شكل الكتاب في نهاية القرن الثالث الميلادي، وحقق هيمنته الحقيقية خلال القرن الرابع في بيزنطة، وعرفت الحضارة العربية شكل الكتاب، منذ مراحله الأولى، فقد كانت فكرة مجيء المعرفة في شكل كتب، مألوفة في الحضارة العربية، بقربها من بيزنطة وبلاد فارس. تشير المؤلفة إلى أن الورق صنع منذ نهاية القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) وكان متاحاً بكميات غير محدودة، وجعل انتشار النساخ المخطوط سريعاً وسهلاً، ولسوء الحظ فإن إعادة بناء نشأة مهنة للورّاقين ومجموعتهم الاجتماعية في المجتمع العباسي محفوفة بالعوائق، بسبب ازدراء المصادر العربية التاريخية والأدبية لأهل الحرفة.

هذه المصادر– كما توضح المؤلفة– عادة ما تكون قليلة الفائدة وتكشف عن تحيزها الاجتماعي، وبرغم وفرتها بصورة غير عادية في الكثير من المواضيع بالمقارنة مع السجلات المكتوبة في أوروبا في العصور الوسطى، لكنها تكاد تكون صامتة فيما يتصل بالحروف اليدوية وممارسيها، وأصبحت الكتب تشكل رمزا للمكانة الاجتماعية، على هيئة مكتبات يمتلكها علية القوم في المقام الأول، بمعنى أوسع يمكن الآن تقديم الكتب المملوكة للأفراد ودفاترهم الخاصة للكشف عن شيء من قناعات أصحابها ومعتقداتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2b9r9v45

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"