عادي
علم اجتماع العواطف يجيب عن السؤال الإشكالية

لماذا يجرح الحب؟

15:15 مساء
قراءة 3 دقائق
إيفا إيلوز وغلاف الكتاب

القاهرة: «الخليج»

«لماذا يجرح الحب؟ تجربة الحب في زمن الحداثة» كتاب حاصل على جائزة علم اجتماع العواطف عام 2014 لمؤلفته إيفا إيلوز، وهو كتاب– كما وصفته إحدى الصحف– لا يمكن لأحد أن يناقش مسألة الحب، دون الرجوع إليه.

لماذا يجرح الحب؟ ليس مجرد سؤال عابر على غلاف كتاب (ترجمه إلى العربية خالد حافظي) بل هو رحلة سنوات من البحث والقراءة والغوص في زمن تغير فيه كل شيء على يد الإنسان المعاصر، الذي حول كل شيء إلى آلة، مبرراً ذلك بشروط الحداثة المزعومة وسطوتها على القلب.

لقد تحول الإنسان إلى كائن جريح، يتسول العاطفة والشفقة والحنين إلى حضن دافئ، وإلى لحظة حب ولو عابرة، لكن الحب مثل كل شيء في الأنظمة الليبرالية الحديثة، لديه مقابل مادي وسوق خاصة وضحايا بالملايين.

تحاول إيفا إيلوز مؤلفة الكتاب أن تتناول الحب من زوايا سوسيولوجية وفلسفية وأدبية، وتعتمد في بحثها على مساءلة تداعيات الحداثة والأنظمة الرأسمالية، على عواطف الإنسان وحياته اليومية، فتأخذنا في رحلة شيقة داخل أعماقنا، محاولة أن تتلمس الجرح قليلاً، وأن تحاول رتقه برقة، دون أن توقظ في داخلنا آلامنا الخفية، وأسئلتنا التي لا تتوقف أبداً.

  • تاريخ نفسي

تشير المؤلفة إلى أن علم النفس الإكلينيكي لعب دوراً مركزياً فريداً في اقتراح وإضفاء الشرعية العلمية على فكرة أن الحب وخيباته يجب أن تفسر من خلال التاريخ النفسي للفرد، ونتيجة لذلك كانت هذه المسائل ضمن اختصاصها وهيمنتها، على الرغم من أن فكرة فرويد الأصلية للاوعي، كانت تهدف إلى إذابة المفاهيم السلطوية التقليدية للمسؤولية، وبالفعل لعب علم النفس دوراً حاسماً في إنزال عالم الرومانسية والعاطفة إلى خانة المسؤولية الخصوصية للفرد.

توضح مؤلفة الكتاب أن البؤس العاطفي هو صنيعة ذاتية لفكرة ناجحة بشكل غريب على مدار القرن العشرين، ربما لأن علم النفس عرض بالتوازي وعداً مواسياً لا يمكن تحقيقه، لقد مثلت التجارب المؤلمة للحب محركاً قوياً، نشط المهنيون في شتى الميادين (محللون نفسيون وعلماء نفس ومعالجون من كل المجالات) في الحديث عنه في التليفزيون، والعديد من وسائل الإعلام.

هناك اعتقاد راسخ بأن جميع مآسينا مصممة لتاريخنا النفسي، وبأن التعرف إلى أنماط مآسينا ومصادرها سيساعدنا على التغلب عليها، فجميع آلام الحب الآن، تشير فقط إلى الذات وتاريخها الخاص، وقدرتها على تجاوز محنها.

الغرض من هذا الكتاب – كما توضح المؤلفة – هو إحداث تغيير شاسع في زاوية تحليل ما هو خطأ في العلاقات الإنسانية المعاصرة، فالخطأ لا يكمن في طفولة مختلة أو نقص في الوعي الذاتي للنفس، وإنما مرده مجموعة من التوترات الاجتماعية والثقافية والتناقضات، التي جاءت لهيكلة الأنفس والهويات الحديثة.

على هذا النحو فإن كاتبات ومفكرات التيار النسوي – كما ترى المؤلفة - تنازعن منذ أمد طويل، حول كل من الاعتقاد الشعبي في الحب، باعتباره مصدراً لكل سعادة، والفهم الفردي النفسي لمآسي الحب على حد سواء، إذ على عكس الأساطير الشعبية تحاجت الأصوات النسوية، بأن الحب الرومانسي، ليس مصدراً للتعالي والسعادة، وتحقيق الذات، وإنما هو أحد الأسباب الرئيسية للشرخ الحاصل بين الرجال والنساء، كما يعد سبباً في الممارسات الثقافية، التي من خلالها يتم جعل النساء، يقبلن خضوعهن للرجال.

يريد هذا الكتاب أن يرسم الخطوط العريضة لإطار ما، بغاية تحديد الأسباب المؤسساتية للبؤس العاطفي، إذ أصبح من المفروغ منه أن تجربة الحب، تمارس سلطة قوية، لا يمكن أن تفسر ببساطة بما يعرف بالوعي الزائف، وهذا من شأنه أن يمنع طرح السؤال، حتى قبل أن يسأل، فالحب يحتوي مرايا، ويضخم الفخ، الذي تقع فيه الذات داخل مؤسسات الحداثة، وهي مؤسسات تؤطرها العلاقات الاقتصادية.

  • مواقف

تقول المؤلفة: «عندما نحب أو نستاء نفعل ذلك باستخدام موارد معينة، وفي مواقف ليست من صنعنا، ومثل هذه الموارد والمواقف هي ما يود هذا الكتاب تناوله بالدراسة، ستكون حجتي الجامعة ملخصة في أن شيئاً أساسياً حول تركيبة الذات العاطفية قد تغير في زمن الحداثة».

هذا كتاب مرجعي ومهم، ترجم إلى أكثر من عشرين لغة، ولا يزال إلى اليوم محل بحث ونقاش في الأوساط الأدبية والأكاديمية في العالم، كما لقبت إحدى المجلات مؤلفته بأنها أعظم مفكرة في القرن الواحد والعشرين، والكتاب تأييد واع للحداثة من خلال الحب،.

إن التأييد الرصين للحداثة لا يشتمل على حماسة طوباوية أو إدانات، لكنه يوفر الأمل الهادئ في أنه من خلال الوضوح والفهم الذاتي، يمكننا العيش بشكل أفضل في هذه الأوقات، وربما حتى إعادة اختراع أشكال جديدة من العاطفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v2ayyr4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"