عادي
قرأت لك

«لأجل غيث»... رواية تنتصر لقيم الحب والتسامح

00:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
حمد الحمادي

الشارقة: علاء الدين محمود

«لأجل غيث»، هي رواية للكاتب الإماراتي حمد الحمادي، وصدرت في طبعتها الأولى عن دار كتّاب للنشر والتوزيع في دبي عام 2015، تكمن أهمية هذه الرواية في سردها الذي يغوص في الواقع، وهي من الأعمال التي عبرت عن الوطن، وولجت مجال السياسية ببراعة شديدة، لكون أن الكاتب لم يتخلّ عن أدوات السرد وجمالياته، فاستطاع أن يمرر عوالم السياسة الثقيلة من خلال سرد شفيف، ما يثبت أن فن الرواية، كأحد الأنماط السردية المهمة، يحتل مكانة كبيرة في العصر الراهن، فهي بمثابة مرآة للمجتمع.

الرواية في موضوعها تعتبر جديدة في الإمارات، وربما منطقة منطقة الخليج، فالكاتب يعبّر من خلالها عن القضايا الوطنية في أفقها السياسي متناولاً تحدي الإرهاب وانغلاق العقل، وهي تجربة مظلمة ومحنة تعرضت لها دول الوطن العربي والإسلامي والعالم ككل، غير أن الكثير من الدول العربية استطاعت النجاة منها بفعل الوعي والتوجّه نحو تبنّي قيم السلام والتسامح والمحبة بين الشعوب، وتلك هي القضية التي تعالجها الرواية التي وجدت صدى كبيراً في الإمارات والعالم العربي، حيث اعتبرت من الأعمال السردية المقاومة للشر وبذرة الإرهاب، كما أنها كانت دليلاً على تقدم الرواية الإماراتية وتنوعها.

الرواية تقع في 253 صفحة من القطع الصغير، وهي تتناول قصة الدكتور الإماراتي غيث الذي درس في أمريكا، ووقع في قصة حب تدفعه إلى الانخراط في إحدى الجمعيات المتطرفة التي قادته إلى الولوج في عالم الإرهاب من خلال الانضمام إلى تنظيم «داعش»، ليس لأجل تبنّي التطرف نهجاً في حياته، بل هو استغل وجوده للتعرف على معلومات وخطط أبلغ السلطات الأمنية عنها، لتساهم في اكتشاف أحد أكبر المخططات الإرهابية التي كان التنظيم ينوي تنفيذها، وتدور أحداث الرواية في عدة بلدان تتضمن الإمارات وأمريكا وتركيا وسوريا، كما تتطرق الرواية ضمن أحداثها وتفاصيلها المتلاحقة إلى وقائع حقيقية مثل تفجير تنظيم «داعش» لمسجد في الكويت، وتهدف الرواية إلى التنبيه بمخاطر أساليب التنظيمات المتطرفة في جذب الشباب وممارسة الخداع عليهم دينياً للانضمام إلى التنظيم سيئ الذكر، كما تتناول الرواية مجموعة من أسرار التنظيم الإرهابي، ولئن دافعت الرواية عن الوطن ضد هذه الممارسات الغريبة على المجتمع المتسامح في أصله وجذوره الثقافية، فقد دافعت كذلك عن الدين الإسلامي، حيث إن هذه الجماعة لم تفهم جوهر الدين ولم تلتفت إلى حقيقته وسماحته.

تقنية

استطاع الكاتب أن يمرر تلك العوالم الثقيلة والبائسة عبر سرد ذكي، يتسم بقوة الوصف، مع استخدام تقنية الفلاش باك في التنقل في الزمان والمكان، مع سلاسة الانتقالات بين مواقع وبلدان عدة، إضافة إلى لغة جميلة، تتوافر على عناصر المتعة والتشويق في السرد والبناء الدرامي، مع نهاية منسجمة مع تسلسل الأحداث والمواقف، لقد استطاعت الرواية أن تعقد مواجهة بين الاستنارة والظلام، الفكر والوعي الزائف، وفي الرواية قصة حب تبحث عن الانتصار، كما تغوص الرواية عميقاً في داخل النفس البشرية المتقلبة والتي تعيش الصراع الحاد بين الشر والخير، ونجح الكاتب في صناعة الكثير من الصور والمشاهد والحكايات ليجعل الرواية نابضة بالحياة وبالواقعية، والكاتب يميل إلى الروايات السريعة، ويبتعد عن السرد الوصفي الطويل، وهذا انعكس على أسلوبه في الكتابة، بما وظفه من سرد يعتمد الإثارة والتشويق، وبالتالي صناعة رواية يفضلها القارئ ولا يستثقلها.

رسائل

الرواية مشبعة بالرسائل الفكرية والسياسية، وتغوص عميقاً في الكشف عن بذور وجذور الإرهاب وبالتالي محاربته برافعة المعرفة والوعي والثقافة، والرواية تميل إلى التحليل وتفسير الظواهر، وذلك يشير إلى أن الكاتب ينتمي إلى جيل مستنير، يعمل على توظيف معارفه في خدمة الوطن، وهذه الرواية ليست الأولى له، بل له أعمال أخرى متنوعة، تتوجّه بصورة كبيرة نحو الأدب السياسي، وتنهض برافعة التحليل والفكر، والرواية السياسية عند الكاتب تحمل عدة رسائل وهي تحتفي بالمعنى، فقد سبق هذا العمل، رواية «ريتاج» التي دشنت مرحلة جديدة من الأدب الإماراتي، وصدرت عام 2014، واعتبرت أول رواية سياسية في الدولة، ولقيت احتفاءً كبيراً وتم تحويلها في عام 2016، من قبل تلفزيون أبوظبي، إلى مسلسل جاء بعنوان «خيانة وطن»، وهو العمل الدرامي الذي لقي قبولاً كبيراً، واعتبر المسلسل الأكثر مشاهدة حسب الإحصائيات في ذلك الوقت بالنسبة للقنوات المحلية، بالإضافة إلى تصدره قائمة الترند في منصة «إكس»، «تويتر سابقاً»، كما حظي المسلسل بتركيز مجتمعي وإعلامي وصفه الكثيرون بأنه نقطة تحول تاريخية للدراما الإماراتية، وهو كذلك أول مسلسل وطني سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية، وبسبب هذه الرواية حصل الحمادي على جائزة أوائل الإمارات.

أدب التسامح

إن رواية «لأجل غيث»، هي استمرار للمشروع السردي للكاتب، الذي يتوجّه بشكل كبير نحو الأدب السياسي، وبصورة أكثر وضوحاً الكتابة في مضمار السياسة من خلال سرد جميل فيه وأنيق، حيث يرى الحمادي أن «الأدب السياسي يحمل في ثناياه مجموعة من الرسائل الهادفة، ويعمل على ترسيخ القيم الوطنية»، وذلك يوضح أن للمؤلف مشروعاً ينطلق من حب الأوطان وضرورة ترسيخ الحس الوطني عند أبناء وبنات بلده، وكذلك تمرير جرعة وعي حقيقي حول القضايا الشائكة التي يتناولها، فهو يسهم في نشر روح التسامح في المجتمعات، وفي تعزيز فهم التقبل والتعايش، وهو يقول عن تجربته تلك: «إن إضفاء بعض الرسائل ضمن المزيج الروائي، لا ينتقص من العمل ولا يحيله شيئاً آخر خارج نطاق التصنيف الروائي، وأعتقد أن الرواية أوسع من التضييق الذي يحاول بعض النقاد فرضه عليها».

مقاطع

كان لجمال لغة الرواية بما فيها من رؤية وحكمة دورها في تفاعل العديد من القراء، ونقرأ فيها: «كم ستكون حياتنا أفضل لو كانت المصائب تستأذن بالدخول! فالمصائب للأسف مثل الضيوف الثقال، تأتي بلا موعد ولا تستأذن قبل الدخول»، وكذلك نقرأ: «قد يدفعنا القدر أحياناً إلى فتح صفحة جديدة، لكننا ما نلبث أن نعود إلى الصفحة القديمة فور أن نتلقى صفعة جديدة»، وأيضاً: « ليس هنالك شعور ماكر مثل النسيان، يماطل في الحضور حين نكون في أمسّ الحاجة إليه، ويلازمنا حد الالتصاق حين يكون آخر ما نحتاج إليه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56nyfpfk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"