البق والسياسة

01:38 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن
بوسع السياسة أن تدخل في كل شيء، حتى لو من خرم إبرة. ولا تفعل السياسة ذلك دائماً بشكل تعسفي أو تطفلي، فالكثير من المشاكل التي تبدو في ظاهرها أبعد ما تكون عن السياسة، قد لا تكون هذه الأخيرة بريئة من صنعها، أو على الأقل تفاقمها. هذا ما يحدث في فرنسا اليوم مع حشرة بق الفراش، والبق هو حشرة صغيرة بنية اللون، يتراوح حجمها بين 4 و7 ملم، تمتص دم الإنسان والحيوانات، ولها أنواع وأشكال مختلفة، بينها حشرة البق العادية، أو بق الفراش، التي يشعر الكثير من الناس بالتقزز منها، حيث إن لها ولبيضها رائحة عفونة كبيرة، ويعرف عنها أيضاً كثرة التناسل، بطريقة تتضاعف معها أعدادها بشكل مهول، وتسبب لدغتها متاعب كثيرة بينها ضيق التنفس وسيلان الدموع واحمرار الجلد والتهابه، وحرمان الناس من النوم، فضلاً عن أعراض أخرى، وتتفاوت الآراء بين من ينفي أن البق ينقل الفيروسات والبكتريا المختلفة من وإلى جسم الإنسان، وبين من يؤكد ذلك، وهذا ما يفسر حالة الذعر التي تتحدث وسائل الإعلام عن انتشارها في فرنسا اليوم، حيث تمّ رصد هذه الحشرات في مترو باريس والقطارات السريعة والمطارات، إضافة إلى المستشفيات وبعض دور السينما وفي بعض الفنادق.
المعارضة الفرنسية، وفي جلسة للبرلمان، طالبت الحكومة بالاعتراف بالأمر باعتباره مشكلة صحية عامة، والكفّ عن مطالبة الناس بالتعامل مع المشكلة بأنفسهم كما لو كانت فردية، بينما تفرض الشركات تعريفات باهظة لرشها بالمبيدات الكيميائية، رغم أن نحو 90% من حشرات البق لا تتأثر بها، فيما أقرّت الهيئة العليا للصحة الفرنسية أنه بين عامي 2017 و2022، عانت 11% من الأسر الفرنسية من بق الفراش، وبدورها دعت بلدية باريس إلى التصدي لهذه الحشرات، قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في يوليو من السنة القادمة، إقراراً منها بأن المشكلة ستسبب، وقتها، إحراجاً كبيراً لفرنسا.
ووسط تفاقم مشاعر كراهية المهاجرين، فإن بعض الإعلاميين ربطوا انتشار البق بهؤلاء المهاجرين، ووصفت تصريحات للصحفي باسكال برود، حول الموضوع بالمسيئة، واتهم بالترويج لكليشيهات عنصرية حين تساءل عما إذا كان المهاجرون الذين نشأوا في بيئات لا تتوافر فيها شروط النظافة، كما هي في فرنسا، هم سبب انتشار البق، ما حمل صحفي عربي على التذكير بأن أنحاء في العاصمة باريس تشكل، تاريخياً، بيئة خصبة لمثل هذه الحشرات ولبعض القوارض مثل الفئران، وحين ارتفعت أصوات إعلامية محسوبة على اليسار محتجة على تصريحات برود، حاول تدارك الأمر بالقول إنه قصد في تساؤلاته السوّاح الأجانب، ولم يقصد المهاجرين المقيمين في البلاد.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hdc7ycf

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"