الصورة.. وثيقة

02:02 صباحا
قراءة دقيقتين

يوسف أبولوز

وضع عدد من الفلاسفة والمفكرين المعاصرين كتباً بحثية وتأملية في الصورة، والمقصود بها الصورة الفوتوغرافية من زاوية جمالية وأخرى فكرية. وكانت صورة فوتوغرافية للفتاة الفيتنامية المحترقة بالقنابل الأمريكية وهي تركض صارخة شبه عارية وقد احترقت بالسلاح المحرّم دولياً، صورة القرن العشرين التي هزّت العالم.

ليس موضوعك أمريكا وصورها الفوتوغرافية والاستعراضية، بل موضوعك (الصورة) بذاتها التي تحولت من الأسود والأبيض إلى الملوّنة بالأحمر تحديداً، لون الدم الملطّخ به قمصان الأطفال، وثياب النساء اللواتي يغطين وجوههن بأكفانهن.. من الهنود الحمر إلى الهنود السمر.

الصورة اليوم هي المادة الخبرية قبل النصّ الصحفي أو الشفوي الذي يقوله المراسل الميداني مباشرة على الهواء، وفي كل الأحوال تتحول الصور الفوتوغرافية والصور الشاشيّة المرئية إلى وثائق يعود إليها الصحفي نفسه، والمؤرّخ، وإذا أرادا، يعود إليها الروائي والشاعر اللذان يشحذان العاطفة بالمزيد من رؤية الصور.

لم تعد الصور حكراً على الصحفي ولا المصور المحترف، بل أصبح اليوم بإمكان أي شخص أن يكون صحفياً ومصوّراً في ميدان الصورة الحقيقي والواقعي، حين يلتقط بهاتفه الجوّال وبتقنياته الفنية العالية صوراً حية مباشرة للناس والأمكنة من دون أي خبرة مسبقة في العمل الصحفي.

عليه إذاً، لم تعد الصحافة مهنة امتيازية أو هالة معنوية، بخاصة إذا قسنا مسألة المصوّر الميداني صاحب الجوّال على ذلك الصحفي الجالس في المكتب، فهذا الصحفي المكتبي لا يعرف الصورة، وربما لا يتفاعل معها، وهو إذا ضغطت عليه، ووجّهته إلى العمل الميداني، فربما يسوق لك عشرات المبررات التي تحول دون نجاحه في مهمّة كهذه، كأنه كان ناجحاً قبل ذلك!

التقاط الصورة بعفوية وذكاء، ومن زاوية إنسانية بشكل خاص، ثم من زاوية خبرية أصبح فناً شعبياً يومياً في العالم، وصار الحصول على صورة من الهاتف تحقق نسبة مشاهدة عالية مطلباً مهنياً يومياً عند الكثير من الصحف التي ليس لديها أقسام تصوير ميدانية، حرفية.

ولكن، لننظر إلى هذا الأمر كله من زاوية أخلاقية، ونسأل: هل أصبح التقاط صورة بالجوال أو بالكاميرا الاحترافية وغير الاحترافية نوعاً من استغلال المشهد الإنساني نفسه والاستثمار فيه على نحو غير أخلاقي؟

هذا ممكن، ولكنه لم يحدث حتى الآن، وربما لن يحدث، ذلك ببساطة أن الإنسان الذي يلتقط الصورة وهو على حافة الموت يعرف مسبقاً أن هذه الحافة هشة، وأنه ميّت لا محالة، فليوّثق، إذاً، للتاريخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nd4yfvd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"