عادي
توماس كول رسام المناظر الطبيعية

«شلالات نياجارا».. لوحة تنتقد توحش الإنسان ضد البيئة

15:23 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحة «منظر بعيد لشلالات نياجارا»

الشارقة: عثمان حسن

توماس كول (1801 - 1848) فنان أمريكي اشتهر برسم المناظر الطبيعية واللوحات التاريخية، ولد في إنجلترا، ومعروف بتأسيسه للحركة الفنية التي اشتهرت باسم «نهر هدسون» التي ضمت مجموعة فنانين، مثل آشر بي دوراند، وجون كونستابل، وألبرت بيرستادت لاحقاً.. تأثر بالرسامين الأوروبيين، ولكنه تميز ببصمة خاصة في الفن، وقد كان غزير الإنتاج، وحملت لوحاته مسحة مجازية أو رمزية ارتبطت بأحداث ومناسبات وشخصيات تاريخية ومناظر طبيعية.

لقد كان توجه كول إلى تصوير المنظر الطبيعي بمثابة انحيازه لفطرية وطبيعية الأشياء في مواجهة العالم الجديد، حيث المدن التي تعلو سماءها سحابات من الضباب والدخان، في إشارة إلى التوسع الحضري في الغرب، بسبب تزايد المصانع وآثار التكنولوجيا التي باتت تعكس قلق وحيرة الإنسان، خاصة في بريطانيا زمن الثورة الصناعية، والتي نشأ في ظلالها نحو بدايات ومنتصف القرن التاسع عشر.

توماس كول

في سن الثانية والعشرين، انتقل توماس كول إلى فيلادلفيا، وفي عام 1825 إلى كاتسكيل، نيويورك، حيث عاش مع زوجته وأطفاله حتى وفاته في عام 1848.

وجد توماس كول عملاً في بدايات حياته الفنية كنقاش، ثم بدأ بتعليم نفسه فنون الرسم، معتمداً على الكتب ودراسة أعمال الفنانين الآخرين. في عام 1822، بدأ كول برسم البورتريه وبعد ذلك حول تركيزه تدريجياً إلى المناظر الطبيعية.

من اللوحات الشهيرة لتوماس كول واحدة بعنوان «منظر بعيد لشلالات نياجارا»، رسمها في عام 1830، وذلك خلال رحلة بدأها في 1829 متوجهاً إلى إنجلترا، حيث مر بشلالات نياجارا، كثير من النقاد ينظرون إلى هذه اللوحة بوصفها الأوضح تعبيراً في رسم المنظر الطبيعي عند كول، والتي تميزه عن غيره من الفنانين في كافة العصور، فهي لوحة مثالية وجذابة جداً بألوانها الخريفية، رسم كول اللوحة من الذاكرة، وكانت منطقة الشلالات آنذاك محاطة بمجموعة من المصانع على جانبيها، حيث قام كول باقتطاع هذه الأماكن التي ترمز إلى موجة الحداثة والعالم الجديد، مكتفياً برسم مناظر تخلو من البشر إلا اثنين من السكان الأصليين.

  • * شاعرية

المنظر في اللوحة يبدو شاعرياً وجميلاً للوهلة الأولى، لكنه ليس أكثر من مجرد خدعة، والخداع يبدو متطرفاً للغاية، لدرجة أن هناك نوعاً من الإتقان الذي لا يمكنك إلا أن تعجب به. وقف كول عند شلالات نياجارا، وكانت محاطة بالفعل بالمصانع (التي استغل بعضها طاقة الشلالات)، وكانت هناك بعض الفنادق والمناظر الخلابة؛ حيث يتجمع السياح. وكانت التعديلات التي أجراها كول لإزالة الجوانب الصناعية للمكان حاسمة، فقد أضاف غابة بأكملها لم تكن موجودة في الأصل، وكان هدفه واضحاً من هذا الرسم، فقد خشي من تقدم التكنولوجيا وسرعة التصنيع، فقد كان يقدّر الطبيعة التي صوّرها في هذا المنظر الخلاب لتناسب الشعور بالمثالية.

نقاد كثيرون توقفوا عند هذه اللوحة الشهيرة، إذ رأوا أن كول رسم شخصيات أمريكية محلية في وسط اللوحة بالحجم الصغير، قاصداً أن يشير لقاعدته الجماهيرية من الإنجليز إلى أن اللوحة كانت من منظر طبيعي أمريكي. من هنا، يمكن فهم الحجم الكبير والضخم للشلال، معتبراً أن وجود الشخصيتين بالحجم الصغير يؤكد فكرة «تلاشي الهندي»، وأن الثقافة الأصلية تضاءلت بمرور الوقت لأسباب مختلفة، وهذا يعزز فكرة أن هذا هو قدرهم، لكن، من جانب آخر فكول في هذا الرسم لا يتجاهل العنف المباشر الذي يمارسه المستوطنون الأوروبيون ضد السكان الأصليين فحسب، بل يؤكد فكرة طمس التراث الغني وتنوع الثقافات الذي نشاهده اليوم في كثير من مناطق العالم، وهي آثار وكنوز غنية لا يمكن محو آثارها، وهي رؤية تؤكد وجهة نظر كول للمشهد الأمريكي، فثمة ما يؤكد عنفاً استعمارياً مورِسَ ضد السكان الأصليين في أمريكا، وهذه ملاحظة مهمة لا يمكن إنكارها، إذ امتدح كثير من النقاد توماس كول على هذا الرسم البارع؛ لأنه قدم لمحة أخيرة عن شكل هذه الأراضي قبل أن تضيع إلى الأبد، وهناك جانب آخر أراده كول من هذا الرسم، حيث حملت اللوحة تلميحاً ذكياً من جانبه، لكي يعيد الناس النظر في كيفية استخدامهم واستنزافهم للموارد بأمريكا في منتصف القرن التاسع عشر، وهذه لفتة شاعرية عالية تسجل لهذا الفنان الكبير.

لقد كان تجسيد المنظر الطبيعي بأمريكا في منتصف القرن التاسع عشر قد وجد ضالته في هذا الرسم الساحر «نياجارا» الذي أبدعه توماس كول، هنا، تجتمع البراعة مع الإلهام، وربما الشعور بمكانة الولايات المتحدة التي صارت مكاناً للجذب السياحي، أما بالنسبة إلى مؤسس مدرسة نهر هدسون، فقد كتب يقول: «لقد توقعت الكثير، لكن عظمة الشلالات تفوق كثيراً أي شيء قد أخبرت به، وأنا مندهش من كون هذه العظمة ليست مجسدة في الرسم إلى اليوم، أعتقد أن الموضوع كان رائعاً بالنسبة لي».

  • * سلسلة

أنجز توماس كول الكثير من اللوحات التي جاءت على شكل سلاسل تؤكد دورة حياة البشر والمجتمعات، بينها سلسلته المعروفة التي جاءت بعنوان «رحلة الحياة» وكذلك السلسلة الأشهر «مسار الإمبراطورية»، وهذه جاءت في 5 لوحات رسمها كول بين عامي 1833 و1836، وهي سلسلة جديرة بالملاحظة؛ لأنها تعكس المشاعر الأمريكية الشعبية في ذلك الوقت، حيث كان يرى كثيرون أن «الرعي» هو المرحلة المثالية للحضارة الإنسانية، وخلاف ذلك سوف يتسبب في دمار الإمبراطوريات وانحلالها الحتمي، وكان «مسار الإمبراطورية» بالنسبة إلى كول يمر بخمس مراحل هي: (الدولة الوحشية، الدولة الرعوية، اكتمال الإمبراطورية، الدمار، والخراب). واللوحات الخمس موجودة حالياً ضمن مجموعة جمعية نيويورك التاريخية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xzbakru

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"