عادي

العالم رقمي.. تحولات معرفية دراماتيكية

23:40 مساء
قراءة 3 دقائق
غلاف

القاهرة – «الخليج»

«أيها القارئ: عد إلى وطنك.. الدماغ القارئ في عالم رقمي» هذا العنوان الغريب إلى حد ما من تأليف ماريان وولف (ترجمة شوقي العنزي) تتصدره مقولة لديفيد أولين تقول: «القراءة فعل تأملي، مقاومة في مشهد شرود الذهن، تعيدنا إلى مراقبة الوقت» وهناك فقرة مطولة إلى حد ما تقول: «إذا أصبح بمقدورنا تعديل تركيبة المخ وتوصيلاته، فإن قواعد لعبة هويتنا، وما نفكر فيه سيتغير على نحو جوهري، نمر بمرحلة تطور مختلفة، مستقبل الحياة بين أيدينا الآن، لم يعد الأمر مجرد تطور طبيعي، بل أصبح تطوراً بفعل البشر».

الكتاب الذي يتكون من تسع رسائل، تراها المؤلفة دعوة للنظر في مجموعة حقائق، مستبعد حدوثها حول القراءة والدماغ القارئ، حيث ستنطوي آثارها على تغييرات معرفية كبيرة لدينا، وكذلك في الجيل التالي، وربما في سائر جنسنا البشري، هذه الرسائل دعوة إلى دراسة تغييرات أخرى، ذات دقة أكبر.

يرى معظمنا – كما يؤكد الكتاب – أن التغييرات قد بدأت، وأن اكتساب مهارة القراءة والكتابة لدى الإنسان العاقل يعد أهم إنجازات الوراثة اللاجينية ولم يلم بها نوع آخر، لقد أضاف تعلم القراءة دائرة كهربائية جديدة كلياً إلى مخزون دماغ الأسلاف البشرية، كما أن العملية التطويرية الطويلة لتعلم القراءة قد أدت إلى تغيير هيكلة توصيلات تلك الدائرة تغيراً تاماً وعميقاً، وهي بدورها أعادت توجيه الدماغ ما أدى إلى تغيير طبيعة الفكر البشري.

تغير القراءة وطريقتها والغرض منها طريقة تفكيرنا تغيرات تستمر الآن بوتيرة سريعة، فقد أصبحت القراءة خلال ستة آلاف عام فقط الحافز التحويلي للتطور الفكري لدى الأفراد والحضارات المتعلمة على حد سواء، إن جودة قراءتنا ليست مؤشراً على جودة تفكيرنا فحسب، بل المسلك الأشهر نحو تطوير دروب جديدة تماماً، تتعلق بالتطور الدماغي لجنسنا البشري، هناك المثير على المحك فيما يخص تطور الدماغ القارئ وفي التغيرات المتسارعة التي تميز الآن إصداراته الحالية والمتقدمة.

ليس عليك سوى تفحص ذاتك، ولعلك لاحظت سلفاً كيف تتغير جودة انتباهك، كلما قرأت شيئاً ما على الشاشة والأجهزة الرقمية، أو لعلك شعرت بوخزة تأنيب ضمير مفاجئة، وذلك لإحساسك بأن هناك شيئاً خفياً ينقصك، كلما حاولت الانغماس في كتابك المفضل، مثل طرف وهمي تتذكر القارئ الذي كنته، لكن لا يمكنك استدعاء (الشبح المتيقظ) ذاك مع شعور البهجة ذاته، الذي شعرت به عندما سافرت ذات مرة من مكان ما خارج الذات إلى فضائك الداخلي.

يرى الكتاب أننا نتغير أثناء انتقالنا شبه الكامل نحو الثقافة الرقمية، وهذا التغير الذي لم ندركه كان نتيجة جانبية غير مقصودة للانفجار الأعظم للإبداع والاختراع والاكتشاف في تاريخنا، فهناك ما يدعو إلى الحذر إذا ما وجهنا انتباهنا نحو التغيرات المحدودة التي تحدث الآن في الدماغ القارئ المتطور، وقد تحدث في السنوات القليلة القادمة، يعود ذلك لاختلاف تحولنا من الثقافة القائمة على معرفة القراءة والكتابة إلى الثقافة الرقمية اختلافا جذريا عن التحولات السابقة من شكل تواصلي إلى آخر.

إن بناء هذه المعرفة قد يزودنا بالأساس النظري لتغير التكنولوجيا وعلاج أوجه قصورها سواء في أنماط رقمية ذات دقة أكبر للقراءة، أو إنشاء مقاربات بديلة مهجنة على نحو متطور، وذلك من باب تحقيق الاستفادة القصوى منها، ومن هنا نستطيع اكتشاف تأثير نماذج القراءة المختلفة على الإدراك والثقافة وما لها من آثار عميقة على الدماغ القارئ في الجيل القادم، ومن ثم نكتسب القدرة على المساهمة في تشكيل دوائر القراءة المتغيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yczx6na8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"