عادي

شهر من الهلاوس والجنون والتشخيصات الخاطئة

23:09 مساء
قراءة 3 دقائق
شهر من الهلاوس والجنون والتشخيصات الخاطئة

القاهرة: «الخليج»

إصابتك بمرض نادر تعني أن تشخيصك سيتأخر، أو قد يجري تشخيصك بمرض آخر، فكثير من الأطباء لا يعرفون أصلاً وجود مرضك، وإذا كانوا يعرفون بوجوده، فهم غالباً لم يروا في حياتهم المهنية حالة فعلية مصابة به، ولهذا لن يخطر في أذهانهم إلا بعد أن يستبعدوا الأمراض الشائعة كلها، وربما يدفعهم جهلهم إلى تشخيص المريض تشخيصاً خاطئاً.

عندما يشعر المريض بأن مرضه نادر يتلاشى الحد الفاصل بين ذاته وبين المرض، يتولد عنه شعور بالخوف، وأحياناً بالخجل، ولهذا ترتفع نسبة الانتحار بين المصابين بالمرض النادر، بسبب الاكتئاب، لا بسبب قسوة المرض، ويعتبر المرض نادراً، إذا كانت نسبة الإصابة به أقل من واحد في الألفين.

هذه المقدمة يكشف من خلالها المترجم والكاتب محمد نجيب، أن «سوزانا كهالان» مؤلفة كتاب «دماغ يشتعل.. شهر من الجنون» وجدت نفسها تخوض معركة مع مرض عقلي نادر، فقررت توثيق مرضها بالكتابة، كتابتها عن المرض ساعدت كثيرين في رحلة التشخيص والعلاج، والأهم في التأقلم النفسي مع تبعات الإصابة بمرض نادر.

سوزانا كالاهان

أجمل ما في الكتاب هو قدرة كهالان على الجمع بين الحقائق العلمية وبين معاناتها الشخصية، والدور الذي أدته عائلتها في مواجهة مرضها، فالكتاب يجمع ما بين فن التحقيق الصحفي، للبحث عن تشخيص للمرض في البداية، ثم رحلة سوزانا لكشف اللثام عن حقيقة ما مرت به خلال شهر من الجنون، والأسلوب العلمي المبسط لشرح التفاصيل الطبية المتعلقة بالمرض والعلاج.

يتحرك الكتاب بين الماضي والحاضر والمستقبل، في ما يتعلق بالذاكرة وخباياها التي لا يزال الكثير منها عصياً على فهم الطب، ورغم أهمية المحتوى العلمي والمعرفي في الكتاب فإن محمد نجيب المترجم يقول:

«وجدت نفسي أسيراً للكثير من المشاهد المفعمة بالمشاعر، التي يمتلئ بها الكتاب، فالمرض رغم قسوته قد يكون اختباراً صادقاً لعلاقة الإنسان بعائلته ومحيطه وقبل كل شيء ذاته، وقد يكون محفزاً لأسئلة عميقة عن الحياة والهوية والصداقة والحب.

1

يتناول الكتاب قصة حقيقية بطلها طبيب سوري (سهيل نجار) وصحفية شابة بجريدة نيويورك بوست (سوزانا كالاهان) كانت تعاني مرضاً غامضاً، أصاب دماغها، وتسبب في حدوث نوبات غريبة لها، قصة صادمة لا تنسى، ولا يمكن وصف نجاتها من مرضها إلا بالمعجزة.

كانت سوزانا قد أمضت شهراً من حياتها في مركز طبي تابع لجامعة نيويورك متخصص في معالجة الأمراض الغامضة، حيث كانت حالتها تزداد سوءاً، فأصبحت عدوانية وعنيفة تجاه الممرضات وأقاربها، كما كانت تسمع أصواتاً، وتعاني هلاوس تشبه مرض جنون الشك والاضطهاد «البارانويا» وحاولت الفرار أكثر من مرة.

لم يدرك الأطباء حقيقة مرض سوزانا، فكانوا يقومون بإعطائها الأدوية المضادة للذهان، ووضعوها في القيود، وظلت هكذا دون تشخيص لمرضها بشكل صحيح، إلا بعد أن جاء الطبيب السوري الذي اكتشف حقيقة مرضها، بعدما طلب منها فقط أن تجري اختباراً بسيطاً، بأن ترسم شكل ساعة.

عندما نظر الطبيب السوري إلى الرسم، عرف أن شكوكه كانت في محلها، واكتشف أن سبب «جنون» سوزانا هو مرض جسدي، لا نفسي، فحينما رسمت سوزانا الساعة، وضعت كل الأعداد على الجهة اليمنى، الشيء الذي أدرك من خلاله الطبيب السوري أنها مصابة بمرض غامض في الدماغ.

  • حياة طبيعية

بعد أن تم إجراء الفحوص اللازمة، ظهر التشخيص، فالصحفية الشابة ليست مجنونة، بل تعاني التهاباً دماغياً ناتجاً عن أن الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة، تهاجم مستقبلات ال NMDA في الدماغ، وهذا يعني أن جسدها قد أعلن الحرب فعلياً على دماغها، فهذه المستقبلات مهمة جداً لأنها تسمح بالتحكم بإدراك الواقع والتواصل بين البشر.

وبعد إجراء مزيد من الفحوص اللازمة، تبين للطبيب أن الطرف الأيمن من دماغها يواجه التهاباً نادراً أطلق عليه اسم «التهاب الدماغ المناعي» وعلاج هذه الحالة يتطلب استئصال جزء من الفص القفوي في دماغ المريضة، وبعد الاستئصال، استعادت عافيتها تماماً بعد شهر، وعادت إلى حياتها الطبيعية، ولم تواجه هذه المشكلة مرة أخرى، ثم ألفت كتابها الذي انتشر على نطاق واسع، وتصدر أرقام المبيعات لعدة أشهر.

بعد أن تم علاجها باستخدام المنشطات وعمليات نقل الدم وشفيت تماماً، عملت كاهالان في ما بعد على جمع ما حدث لها عن طريق إجراء مقابلات مع عائلتها وطاقمها الطبي، تقول: «كنت محظوظة للغاية لوصول دكتور نجار لمعالجتي.. كما أشعر بالامتنان لرؤية قصتي قد تحولت إلى فيلم سينمائي».

تقول سوزانا التي تعيش في بروكلين مع زوجها، وهو موسيقي يبلغ من العمر 38 عاماً: «لم أتخيل أبداً أثناء مروري بهذا المرض المرعب أنني سأكتب كتاباً عنه، أو أنه يمكن أن تتحول القصة إلى فيلم على الإطلاق» وتضيف: «عندما أسمع عبارة «التهاب الدماغ الذاتي» في الفيلم أشعر بالفخر بأنني تمكنت من اجتياز تلك المحنة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/msvvve2v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"