عادي
صدر في الشارقة

«كتاب القهوة».. حكايات عن نديمنا الحنون

23:44 مساء
قراءة 5 دقائق
عبدالله الناصر

الشارقة: عثمان حسن

«قهوة نامه» أو (كتاب القهوة، حيث نامه كلمة فارسية تعني كتاب)، هو مؤلَّف للكاتب والشاعر السعودي عبدالله الناصر صدر في طبعته الأولى عام 2020 عن دار «روايات». جاء الكتاب في 225 صفحة وتوزع على 8 فصول هي: (فاكهة الحرب وشمس السلام، أسفار القهوة وآلامها، القهوة والموسيقى، أهل القهوة، الموجة الثالثة.. قهوتي الخاصة، المرأة في القهوة والمقاهي، إيحاءات القهوة، بقايا القهوة)، وقد اشتملت هذه الفصول على 47 عنواناً تضيء على عوالم القهوة عند أمم وشعوب وثقافات مختلفة.

يطوف الكتاب بالقارئ في رحلة مشوقة من شرق العالم إلى غربه، ليبوح، بل ليكشف عن أسرار القهوة وعوالمها الغامضة، هي رحلة من المرويات والحكايات والأحداث والوقائع التي ارتبطت بالقهوة، بدأها الناصر كما يشير غلاف الكتاب، من أرشيف المكتبات والمتاحف الأوروبية، بما فيها مكتبة فرنسا الوطنية، ومكتبة الكونغرس، والمكتبة البريطانية، وغيرها من القصاصات المجهولة المصدر، فيحكي مزيداً من التفاصيل التي ارتبطت بالقهوة، والكتاب بمثابة مغامرة ممتعة يكشف من خلالها المؤلف عن حجم هائل من المعلومات التي ارتبطت بالقهوة، من خلال سرد معرفي وتاريخي، وربما فلسفي، له صلة بالقهوة، هذه المادة التي وردت في سرديات كثيرة، كما ارتبطت بكثير من الرموز والشخصيات، منها شخصيات أدبية وثقافية عالمية، مثل كانط، وديكنز، وموزارت، وباخ، وعدد من الكتاب المعروفين حول العالم، وفي الكتاب سوف يطلع القارئ على أسرار تعامل الشعوب مع القهوة، تحضيراً وتذوقاً، عبر رحلات لمقاهي العالم الحديثة والقديمة.

مرويات النور

نقرأ في الكتاب تحت عنوان (كرز الكلام): «في البدء كانت القهوة، وفي مهد البشر الأول في الحبشة أحمرّ كرز الكلام، تأسرني فكرة الشجرة التي لم يزرعها الإنسان الأول بنفسه، لكنها وجدت إلى جانبه، وأينعت في روحه كثمرة صوفية وطهورية»، ويستمر المؤلف ليسرد أمام القارئ الكثير من المرويات المدهشة، فهو مثلاً يشير إلى الكاتب الأمريكي ويليام أوكيرز، مؤلف كتاب «كل شيء عن القهوة» الذي يذكر حادثة عثر عليها أوكيز في مخطوط عربي بمكتبة فرنسا الوطنية، هذه الحادثة بطلها رجل اسمه الشيخ عمر الذي كان منسياً في مدينة «المخا» باليمن، عام 1258م، فهام على وجهه في البراري، ونال منه الجوع والعطش والخوف من الوحوش والسباع، حتى عثر على شجيرة لها ثمر يشبه الكرز، فصعد عليها، وعمد إلى تناول ثمارها الحمراء، ثم قام بعدها بغليها وشرب رحيقها، فشعر بذهاب شهوته للطعام، وذهب عنه النعاس، ثم أذاعها حين عاد من منفاه بين الناس.

وتتواصل مرويات القهوة في هذا الكتاب، وهي مرويات استغرقت من المؤلف وقتاً وجهداً كبيرين، وهو يبحث في أسرار القهوة التي بحسب ما يشير «تقع بين دفتي النور والكآبة والسوداوية»، ففي شمال إسكتلندا يجيء على أسرار تعلّم تحميص القهوة على يد معلم أسترالي يدعى سايمون، كان يعيش في مزرعة نائية، شعر بالتيه والعزلة، وضعف تقدير الذات طيلة أربعين عاماً قضاها بين أستراليا واليابان، ثم بريطانيا، ولكونه ولد لأم يابانية، وأب أسترالي فقده حين كان في الرابعة من عمره، تعرض للتنمر المستمر في المدرسة والشارع، ما جعله خائفاً طيلة الوقت، وغير قادر على تكوين أي نوع من العلاقات الإنسانية، وحتى بعد انتقاله للدراسة الجامعية في شيفيلد، وحصوله على درجة جامعية في اللغة اليابانية، ووظيفة في الجامعة نفسها، فإن ذلك لم يخرجه من سجن الوحدة واليأس، ومنفى الذات الهاربة، وتتواصل حكاية سايمون، فيزداد الأمر سوءاً حين يخسر وظيفته، فيشعر بتخلي الكون عنه إلى الأبد، في تلك الليلة نام مهموماً عاطلاً للمرة الأولى، فرأى نفسه في النوم وفي يده دلّة قهوة عربية، كان حلماً طريفاً بالنسبة إليه، ولكنه لم يُعره أي اهتمام في البداية، ووجد نفسه يتسكع في سوق الأحد الشعبي في المدينة، من دون هدف محدد سوى تزجية الوقت، لكنه،ولدهشته، أبصر على الطاولة أحد بائعي أدوات قهوة شرقية من بينها دلة قهوة عربية، وتتطور الحكاية حتى تنتهي بتأسيسه لشركة خاصة في شمال إسكتلندا بدأ من خلالها استيراد القهوة من مختلف دول العالم.

مشروب أشرار

لكن، ماذا عن حكاية تشارلز ديكنز مع القهوة؟: نقرأ في الكتاب: «بعض النقاد والمؤرخين اقترحوا أن ديكنز ككاتب، يصبغ العديد من الشخصيات السلبية والسوداء في رواياته بمشروب القهوة. السيدة جيلي باي مثالاً في رواية ديكنز «المنزل الكئيب»، هي مدمنة القهوة القوية والتي تجعلها القهوة كما يبدو تتجاهل هويتها الأنثوية، كأم وزوجة، فلا تكترث لمسؤولية بيتها وأطفالها، وبدلاً من ذلك، فهي تنفق الليالي في شرب القهوة السوداء، وتدبيج خطابات طويلة طيلة الليل لمتابعة استثماراتها في زراعة القهوة في إفريقيا»، وهو انتقاد ديكنزي مبطن لشخصية المرأة والناشطة وسيدة المجتمع غير التقليدية.

ذات السياق نفسه، فإن شخصية «هارولد سكولمب» في الرواية ذاتها، بظاهرها الطفولي الشاعري المرح الساذج، وباطنها الطفيلي الأناني الوغد، ترتبط بالولع بالقهوة.. ربط بعض النقاد هذا التنميط الديكنزي السوداوي لشاربي القهوة، بعدم قدرة ديكنز على الصفح عن أمه التي أرغمته على العمل في مصنع دهانات أحذية بدلاً من المدرسة، وارتباط تلك المأساة بإدمانه،وهو طفل، على القهوة السوداء، وبيوت القهوة التي كانت آنذاك فضاء ذكورياً خالصاً تمنع من دخوله النساء.

مجالس

يسافر المؤلف في كتابه إلى كثير من المجالس التي لها صلة بالقهوة، فيذكر الحجاز، وهنا، تظهر الصور المحفوظة لمجالس النساء في القرنين، الثامن عشر والتاسع عشر، ضمن وثائق المكتبة البريطانية، التي تكشف جانباً من أحوال شرب الفتاة للقهوة والأرجيلة في المنزل الحجازي، أما في حواضر نجد، فثمة تفاوت في منع المرأة من شرب القهوة بين المدن والقرى النجدية، فقد منعتها بعض القرى، وسمحت لها بعض المدن. وتستمر سرديات المؤلف لتجوب عوالم وأقاليم وأحداثاً ووقائع ذات صلة بالقهوة، لنقرأ عن «قهوة الانكشارية»، و«كيوبيد يشرب القهوة العربية» و«بلزاك ومسرات القهوة وأوجاعها»، و«قهوة بوب مارلي»، و«قهوة اللاطمأنينة.. مقهى فيرناندو بيسوا»، و«قهوة كيركجارد»، و«ما لم يقله رامبو في القهوة»، وغيرها من المرويات الساحرة والطريفة، ومن جانب آخر نقرأ عما يسميه المؤلف «الموجة الثالثة.. قهوة الخاصة»، وهنا يقف القارئ أمام سرديات متنوعة ومدهشة من نوع مختلف وجديد له صلة بالقهوة كمشروب شاعري، مثل: تخمير القهوة، ونوتات القهوة، والحركة الثالثة في سيمفونية القهوة، في مقابل «قهوة القطن»، و«إزميرالدا.. غواية الجيشا»، وغيرها الكثير.

اقتباسات

* أيقظ أنت القهوة كي تجلس معك كنديم حنون، كي تقابلك كصديق متعب، لكنه ما زال يتمتع بموهبة الغابة في الإصغاء إلى العابرين والأشجار.

* يقول الشاعر الصيني لو تونغ (الكوب الأول يرطب شفتي وحلقي، والكوب الثاني يكسر وحدتي).

* القهوة ليست باباً ولا سلماً للورد خلف السياج.

* القهوة ليست شذى أو زهرة محرمة. ليست طبيباً أو فرصة سانحة للحب. القهوة حرية الذهاب إلى لا شيء، وحرية امتلاك العدم. ولو لم تكن حبة البن مجردة من الخرائط والمفاتيح لما اندلعت منها أدخنة الموسيقى ورائحة الأراضي الجديدة.

* إذا حدث يوماً ووجدت القهوة فعليك بالتظاهر بعدم العثور عليها، والبحث عنها من جديد. فالقهوة هي الطريق، وعلى الطريق الجيدة أن تمنح الحكايات لا النهايات.

* ثمة من يذهب إلى القصيدة، أو يتبرج لها في الصباحات الباكرة حتى تمكنه من أن يكتبها.

* ثمة من يشتري ديواناً ويقرأ قصيدة الشاعر، ويناصفه المتعة، وبالمثل فإن ثمة من يكتب القهوة وثمة من يقرأها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5hd2pwf8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"