عادي
صدر في الشارقة

«الضوء والفراشة».. نقد يتحرر من سجن المناهج التقليدية

15:34 مساء
قراءة 5 دقائق
د. صالح هويدي

الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة

الشارقة: عثمان حسن
«الضوء والفراشة.. مقاربات نصية لنماذج من الشعر العربي»، هو كتاب للناقد العراقي الدكتور صالح هويدي، يحاول من خلاله المؤلف أن يقرأ النص الشعري بعيداً عن حرفية المناهج النقدية الحديثة، التي بحسب رأيه تقف عاجزة عن فك مغاليق هذا النص، فالمقاربة النقدية الحقيقية المثمرة، هي تلك التي تبدأ من البنية التركيبية للنص ونسيجه الداخلي، لتقود إلى ما يحيل عليه النص وليس العكس، من دون أن نسجن أنفسنا في «زنزانات» المناهج النقدية على اختلاف طروحاتها الأيديولوجية والفلسفية، وجاء الكتاب في 276 صفحة وصدر عن دائرة الثقافة في الشارقة.

توزع الكتاب على مقدمة وقسمين رئيسيين هما: (النص الشعري نموذجاً) و (التجربة الشعرية نموذجاً)، واشتمل القسم الأول على 8 محاور رئيسية بينها: (رحلة البحث عن الذات في النص الشعري، رحلة البحث عن يوتوبيا الشاعر في النص الشعري، الإفادة من المعطى التشكيلي في النص الشعري، المستويات التعبيرية في النص الشعري، هجنة النص.. جدل الواقعي الفانتازي في النص الشعري، والنص الشعري بوصفه نسقاً كلياً).

أما القسم الثاني فجاء في 6 محاور هي: (مواجهة العالم في الخطاب الشعري، عزلة المكان ووحشة الزمان في الخطاب الشعري، شعرية التأمل في الخطاب الشعري، الإحساس بالفقد في الشعر العربي المعاصر، شعر النزوح وإشكالية العزلة والتماهي في الخطاب الشعري والنبش في الرماد).

*منظومة

يقرأ د. هويدي قصيدة «الضائع» للشاعر العراقي سامي مهدي: «رأيته في آخر الشارع / يسأل كل عابر / عن رجل ضائع / وكان في يديه دفتر صغير / يقرأ شيئا فيه ثم يسير».. هذه القصيدة رأى فيها نقاد آخرون: «تجربة يومية مألوفة، وحدث بسيط لا يكشف عن عمق، بينما رأى د. هويدي في مألوفيتها تجربة شعرية شمولية حياتية، ففي بساطتها وجزئيتها يكمن خيط أصالتها الإنسانية وعالميتها المتجاوزة، فالقصيدة تفصح عن موقف من الحياة والكون والإنسان ومنظومات الفكر والفلسفة والقيم وشبكة العلاقات الظاهرة والخفية، فهو شاعر متميز في الشعر العراقي الحديث».. كما يدرس د. هويدي، هذه التجربة في مستويات عدة للنص الشعري لسامي مهدي، حيث تتألف «الضائع» من ثلاث شخصيات هي: الرواي، الذي يمثله الشاعر، ورجلان آخران، أحدهما حاضر بطريقة وصف الشاعر له ولهيئته وإخبارنا عن سلوكه، وثانيهما غائب يدور موضوع البحث عنه، كما يدرس مستويات عدة في النص الشعري بينها المستوى الأسلوبي الذي يقوم على استخدام الفعل وتقديمه على سواه، حيث تقوم صيغة الفعل على (رأيته، يسأل، يقرأ، وكاد، توهجت، وضاع).

*يوتوبيا

في ذات السياق ينظر د. هويدي إلى تجربة الشاعر علي جعفر العلاق الذي ينتمي إلى جيل الستينات الذي ارتبط ظهوره بمحاولات تجريبية غنية وبضروب من التنوع في أفق قصيدة التفعيلة التي أرسى أسسها جيل السياب الشعري، وهي القصيدة التي جاءت على أيدي هذا الجيل أكثر استقراراً وأشد تنوعاً وانفتاحاً على آفاق تجارب ومسارات أخرى محتملة.

يرى د. هويدي أن أبرز ما يميز تجربة العلاق الشعرية ما يدعوه بالمناخ الشعري الذي حرص على تأسيسه وتعميق طقوسه وثيماته بمعجم شعري خاص، ثابر على متابعة وتكريس مفرداته قصيدة قصيدة، وديواناً إثر ديوان، والعلاق بحسب د. هويدي آثر أن يؤسس لتجربته الشعرية مناخاً شعرياً استمد مفرداته من معطيات عالم الطبيعة، صوراً وألواناً، ظل يلهج بها بإصرار لا يخلو من دهشة، وإيمان لا يفتر، عن امتلاك تلك المفردات طاقات إبداعية غير قابلة للنفاد.

*المعطى التشكيلي

في تناوله لقصيدة «إشراق» للشاعر ياسين طه حافظ يرى د. هويدي أنها قصيدة تبدو في شكلها الظاهري فقرة واحدة، لكن التمعن في واقع بنية القصيدة وحركة نموها وزوايا تعبير الشاعر المختلفة عن موضوعه فيها، يكشف لنا عن حقيقة اشتمالها على مقاطع أربعة، وما هو مهم في القصيدة مشهدها الأول الذي بعناصره وطريقة تقديمه يبدو أقرب إلى اللوحة التشكيلية، وهو معطى تؤكده اللمسة التي تجسد المشهد، مجمدة فيها الحركة الزمنية، ومسافات مقيمة على انتظار: «تهدأ الأبدية فوق عرائش غافية / وتظل المسافات صامتة بانتظار».

ويشير د. هويدي إلى ما يطلق عليه (المشهد السينمائي): في الوقت الذي يقدم فيه الشاعر مشهده الأول من لحظة زمان تقع في الحاضر، وتدل عليها الأفعال المضارعة (تهدأ، تظل)، نراه ينتقل بعد هذا انتقالة مفاجئة إلى أحداث وقعت في الماضي، وذلك من خلال أسلوب الارتداد (الفلاش باك): «لم تكن نجمة في السماء».. الخ. وفي دراسته المعمقة لقصيدة (إشراق) يخلص د. هويدي إلى أن القصيدة عند ياسين حافظ تبدو مخلصة لتجربة الإيقاع الشعري الذي ينتظم مقاطعها جميعاً، في تنغيم لا تخطئه أذن، إلى جانب التكثيف المركز للقصيدة، وإحكام وحدتها الشعورية، حيث يفيد الشاعر من معطيات الفنون المختلفة، موظفاً إمكاناتها في صالح بناء القصيدة وتعميق الانطباع المحدد في ذهن القارئ.

*مستويات تعبيرية

يدرس د. هويدي المستويات التعبيرية في قصيدة الدفقة عند الشاعر خيري منصور، الذي يزاوج في نتاجه الشعري بين الهموم الذاتية والهم القومي العام، حتى لتبدو هذه السمات الأكثر وضوحاً عند منصور، ويمنحها بعدها وتأثيرها، من دون أن يعني هذا حصر نتاجه الشعري أو تفوقه فيه بأي من البواعث الخارجية، ذلك أن غنى تجربة الشاعر تبدو مستمدة من داخل بنيتها الفنية وطريقة تشكيلها أولاً وقبل كل شيء، وقصيدة الدفقة عند منصور، عمقت مساره صوب القصيدة القصيرة في جل نماذجه، وهو اتجاه يشاركه فيه عدد من الشعراء العراقيين والعرب عامة.

وتحت عنوان (استلهام الطبيعة في النص الشعري) يتناول د. هويدي قصيدة «ماء الياقوت» للشاعر عبدالقادر الحصني، التي تتألف من مقطعين، يبدو الأول عاماً (بانوراميا) لا يفهم إلا في ضوء تجلي المقطع الثاني واكتماله، حيث يكتشف د. هويدي بعد قراءة المقطعين معاً، عن أن الأول كان ينطوي على عناصر إيحاء وتنبؤ وإرهاص بما ستؤول إليه عناصر بنية القصيدة ومصائر شخوصها، والتأمل في القصيدة يكشف عن رؤية ما للشاعر أقرب ما تكون إلى الموقف الفلسفي، تلك التي تشيع في بنية القصيدة وقصائد أخرى، منتظمة صورها في شكل احتفاء واضح، حيث عبرت قصيدة «ماء الياقوت» كما هو شأن مجمل قصائده عن امتلاك الحصني للغة رائقة، تجمع بين رشاقة اللغة التراثية وموحيات اللغة المعاصرة، ما جعلها مؤهلة للتعبير عن رؤية الشاعر الإشراقية وقصائده ذات النفس الصوفي.

*الخطاب الشعري

في القسم الثاني من الكتاب يقدم هويدي قراءات نقدية واعية في تجارب شعرية مختلفة كتجربة الشاعرة الإماراتية خلود المعلا خاصة في ديوانها «ربما هنا» الذي يمثل منعطفاً جديداً في مسار تجربتها الشعرية، كما يدرس د. هويدي تحت عنوان «عتبة النص» المجموعة الشعرية «الطفل إذ يمضي» لعمر شبانة، وهي عتبة ذات بعد دلالي مهم في الكشف عن رؤية الشاعر في تلقي نصه الشعري، ويواصل قراءاته للبحث في شعرية التأمل عند الشاعر يحيى البطاط خاصة في مجموعته (دلال الوردة) ويواصل بحثه في الأعمال الكالمة للشاعر المصري كمال نشأت التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.. وذلك تحت عنوان (الإحساس بالفقد في الشعر العربي المعاصر) كما يقدم رؤى وطروحات نقدية مختلفة عن القصيدة الحداثية، من نماذج قصيدة النثر في مراحلها الراهنة، حيث يقول د. هويدي: «في ظني أن قصيدة النثر في مرحلتها الحالية قد انتهت إلى فك ارتباطها بأي نمذجة أو تنميط لبنيتها وشكلها وأساليب تعبيرها»، وهو يدرس نماذج هذه القصيدة عند الشاعرين باسم فرات وقاسم سعودي.

*اقتباسات

«مشكلات النقد العربي كثيرة وذات مستويات متعددة».

«القيمة الأساسية للخطاب النقدي إنما تكمن في قدرته على إضاءة النص».

«مواجهة النص الشعري من الأمور العسيرة التي تحتاج إلى خبرة وثقافة واسعتين».

«ليس من الضروري أن نسجن أنفسنا في زنزانات المناهج النقدية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/duynn362

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"