عادي
محاولة اغتيال فاشلة للمرشح الجمهوري أربكت حسابات انتخابات الرئاسة الأمريكية

«رصاصة الحظ».. هل تدفع ترامب للبيت الأبيض؟

01:19 صباحا
قراءة 8 دقائق
محاولة اغتيال ترامب
التيار الترامبي كان قويا ومسيطراً خلالا جتماعات المؤتمر العام للحزب الجمهوري
قبضة ترامب المرفوعة عالياً تؤسس لعصر جديد من الترامبية

د. أيمن سمير

«مضاد للرصاص».. «الأساطير لا تموت».. «شكراً لله».. هناك ملائكة تحرس هذا الرجل، لأنه سيكون رئيساً في عام 2025، «العناية الإلهية حافظت عليه»، و«نجاته هي إنقاذ لأمريكا، ودعوة ربانية لانتخابه في 5 نوفمبر المقبل»

«هو ليس من النوع الذي يختبئ في الزاوية»، «كان يفترض به أن يكون على يخته يستمتع في البحر الأبيض المتوسط، لكنه لم يفعل، إنه يواجه الرصاص، ويجري بسرعة من أجل حب بلاده»، «هو الرجل الأكثر صلابة على وجه الأرض»، «الرئيس نجا، سوف تسجل شجاعته كلحظة محورية في التاريخ الأمريكي، لن نتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، سنفوز، بارك الله في أمريكا».

هذه الكلمات، وغيرها التي كتبها أنصار المرشح الجمهوري دونالد ترامب، عقب محاولة اغتياله أكدت دعم «الكتلة الصلبة» من الحزب الجمهوري، وشريحة واسعة من «المستقلين والمتأرجحين» للرئيس السابق، وأن إطلاق النار عليه في التجمع الانتخابي بولاية بنسلفانيا- التي شهدت حفر أول بئر نفطية في العالم عام 1858 - سوف يرسم معالم المشهد الانتخابي الأمريكي، ويؤسس «لتيار سياسي جديد» قد يهيمن على توجهات السياسة الأمريكية لعقود مقبلة، تحت عنوان «الترامبية»، فهذه «المحنة» التي كان يمكن أن تقتل المرشح الجمهوري تحوّلت إلى «منحة» للرئيس السابق، ولكل أعضاء الحزب الجمهوري، حتى أن البعض أطلق على الرصاصة التي اخترقت الجهة العلوية من أذن ترامب اليمني «رصاصة الحظ» التي جلبت للرئيس ترامب الكثير من المكاسب التي لا تُعد، ولا تحصى، خلال ثوان قليلة.

لكن أكثر المكاسب التي يمكن أن تتركها محاولة اغتيال المرشح الجمهوري دونالد ترامب، هي سيادة وسيطرة فكر «الترامبية» على الحزب الجمهوري، والمشهد السياسي الأمريكي بأكمله، فالقراءة الدقيقة لبرنامج الحزب الجمهوري- الذي أعلن رسمياً ترشيح دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي - تقول إن البرنامج تضمن اسم ترامب 19 مرة في عدد صفحاته التي لم تتجاوز 16 صفحة، وإن فعاليات المؤتمر العام للحزب الجمهوري لم تكن «مجرد ردة فعل عاطفية» على محاولة الاغتيال، بل كشفت سيطرة ترامب الكاملة على جميع مفاصل واتجاهات الحزب الجمهوري، بخاصة أن ترامب ارتدى «لوناً سياسياً جديداً» مع توجه رصاصة توماس ماثيو كروكس ناحية المنصة التي كان ترامب يقف عليها، فما هي سيناريوهات المشهد الانتخابي الأمريكي في الفترة المقبلة؟ وما هي العوامل التي تدفع بسيطرة «الفكر الترامبي» على الحزب الجمهوري لسنوات، وربما لعقود قادمة؟ وما هي خيارات الديمقراطيين لاستعادة الزخم من الجمهوريين؟

أيقونه تاريخية

رسخت الصور والكلمات التي رافقت محاولة اغتيال ترامب سيطرته على المشهد السياسي الأمريكي، فقد جاءت كل تصرفاته أثناء محاولة الاغتيال، وبعدها، لتؤكد لأنصاره ومنتقديه على السواء، أنه «الشخصية المحورية» بين النخبة السياسية الأمريكية، وعزز من هذه الصورة أنه تحول مع الانتشار الواسع لهذه الصور إلى «أيقونة أمريكية»، حيث بات التعرف إلى ترامب أمراً لا يمكن إنكاره من دون أي جهد، لدرجة أن البعض بات يقول إن صورة ترامب تتساوى مع «الصورة الأيقونية» لرفع العلم الأمريكي أثناء أشرس معركة شارك فيها مشاة البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية في منطقة «أيو جيما» اليابانية، فصور الرئيس ترامب التي باتت عنوان الصحف الأمريكية، ويتم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، يحيط به أفراد الخدمة السرية، بوجه يشوبه الدم، ويرفع قبضة إلى الأعلى، في إشارة إلى رجل يتحدى الموت المحتمل، كل ذلك جعل الحزب الجمهوري بقيادة ترامب يتضخم، ويتقدم في استطلاعات الرأي على حساب الحزب الديمقراطي الذي يعاني الضعف، فجميع استطلاعات الرأي تقول إن ترامب سوف يفوز في الانتخابات الرئاسية لو جرت الانتخابات هذه الأسبوع، وتقوم «الأيقونة الجديدة»، أو حتى «الصورة النمطية» الجديدة للرئيس ترامب على مجموعة من المشاهد وهي:

1 - الثبات الانفعالي

كشف ترامب أن لديه «ثباتاً انفعالياً» غير مسبوق، بخلاف ما كان معروف سابقاً عن شخصيته التي كانت توصف في السابق بأنها شخصيه متهورة، ويصعب قياس رد فعلها، لكن في بنسلفانيا كانت الصورة مختلفة تماماً، فبينما كانت الرصاصة تتجه إلى المنصة، وعندما وضع ترامب يده على أذنه اليمنى، وسالت الدماء على وجهه، لم يرتعب، أو يخف، بل نزل أسفل المنصة، ونزل معه الذين خلفه وهو يردد «سنقاتل»، ولم يكتف بهذا، بل أصرّ على أن يقف من جديد، ويخاطب الجماهير من بين أذرع ودفاعات ضباط الخدمة المدنية، بل وكان يرفع يده، وبصوت عال وواضح يقول «لنجعل أمريكا عظيمة»، وهو أمر جديد على ترامب الذي كان ينظر إليه على أنه لا يدقق في كلماته.

2 - السمو السياسي

رغم أن بعض الجمهوريين، وبينهم ابن ترامب، جونيور ترامب، اتهم الديمقراطيين بأنهم وراء محاولة الاغتيال عبر اتهاماتهم للمرشح الجمهوري بأنه عدو الديمقراطية، والمرأة، وأنه يكره المهاجرين، والسود، والملونين، وأنه منحاز للأغنياء وأصحاب الشركات، وضد العمال، والفقراء، ومتوسطي الدخل، لكن ترامب على العكس من كل ذلك، لم يتهم شرطة الخدمات السرية بالتقصير، بل أشاد بهم أكثر من مرة، ولم يتفوه بكلمة ضد الرئيس بايدن، أو الديمقراطيين، تحدث فقط عما أسماهم ب«أهل الشر».

3 - التضامن والوحدة

قبول ترامب تلقّي اتصال من الرئيس جو بايدن للاطمئنان عليه، ثم قبول ميلانيا ترامب زوجة المرشح الجمهوري، استقبال مكالمة من السيدة الأولى جيل بايدن، والإشادة من جانب ترامب وميلانيا، بجو بايدن وزوجته، دشنت صورة عن الوحدة والاتحاد من جديد بعد أن سادت الساحة الأمريكية حالة من الانقسام السياسي والتشظي المجتمعي منذ أحداث 6 يناير/ كانون الثاني 2021، وكل هذا عزز من صورة ترامب كقائد للأمة الأمريكية، وزعيم للبلاد، ورجل دولة قادر على أن يتصرف بحنكة، وخبرة سياسية، وقت الأزمات، وعندما تكون البلاد على المحك، ولهذا قام ترامب بتغيير الخطاب الذي سبق أن أعده لمؤتمر الحزب الجمهوري، وجاء خطابه في ميلووكي بولاية ويسكونسن ملحمياً، بكل معاني الوحدة، والتركيز على المستقبل والسياسات فقط، من دون توجيه انتقادات لاذعة للديمقراطيين، وهو أمر ردّ عليه الديمقراطيين بإيجابية أيضاً، عندما قرروا سحب كل أشكال الدعاية التي تستهدف شخصية ترامب، سواء في شبكات التلفزيون، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يحسب لترامب وفق كثير من الجمهوريين، لأن عدم تفوه ترامب بأي اتهامات ضد الديمقراطيين بعد محاولة الاغتيال، هو من قطع الطريق عليهم، وأجبرهم على سحب المقاطع الدعائية التي كانت تروّع الأمريكيين من التصويت لترامب، وهو ما تجلى أيضاً في أن الأصوات الديمقراطية العاقلة بدأت هي نفسها تشيد بشجاعة ترامب، وتدعو لخفض «التوترات السياسية» في البلاد، وتقديم صورة لرجل الشارع الأمريكي عن «الروح الأمريكية» الواحدة التي ينبغي أن تنتصر على كل دعوات الصراع، والخلاف، والانقسام.

رابعاً: دعم المنافسين والمتردّدين

الأيام التي تلت محاولة الاغتيال أوضحت للجميع أن ترامب هو قائد هذه المرحلة، على الأقل، في صفوف الجمهوريين، وبالتالي سارعت الشخصيات التي حاولت أن تتحداه في السابق إلى دعمه، وتأييده، من دون أي قيود، أو شروط، ومن هؤلاء نيكاي هايلي التي ظلت تنافس ترامب حتى آخر وقت، في الانتخابات التمهيدية للحزب، وأيضاً رون ديسانتس حاكم ولاية فلوريدا، والذي كان ينظر إليه على نطاق واسع بأنه المنافس التقليدي لترامب، بين صفوف الجمهوريين، وأظهر الجمهوريين بكل أجنحتهم التفافاً غير مسبوق خلف ترامب في المؤتمر الانتخابي، بشكل أذهل الجميع، فبينما يعاني الديمقراطيون الاستقرار على مرشح، فإن ترامب نجح في توحيد الجمهوريين خلف شعاره «لنجعل أمريكا عظيمة».

خامساً: تبرعات قياسية

خلال يومين فقط من محاولة الاغتيال، جمعت حملة ترامب نحو مليار دولار من صغار المتبرعين، وصغار المتبرعين هم المعيار الأول للقاعدة الشعبية لأي مرشح، وهذا رقم قياسي لم يجمعه أي مرشح رئاسي أمريكي من قبل، في يومين فقط، وقبل أشهر من الانتخابات، كما ان الشخصيات البارزة في المجتمع الأمريكي بدأت تعلن صراحة عن دعمها المالي والسياسي لترامب، من أمثال هؤلاء أيلون ماسك الذي أعلن تبرعه شهريا ب45 مليون دولار لحملة ترامب، ودعمه الكامل لفوز ترامب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، كما أن صورة ترامب وهو يرفع يده، وقبضته القوية، باتت العلامة التجارية للعديد من المنتجات في مختلف الولايات الأمريكية.

سادساً: تهاوي الدعاوى القضائية

بات ترامب قريباً جداً من إسقاط كل الدعاوى القضائية بحقه في المحاكم الأمريكية، فرغم إدانته في قضية شراء الصمت سبق للقاضي في ولاية جورجيا أن جمّد الإجراءات بحق ترامب في ما يتعلق باتهامه لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في ولاية جورجيا عام 2020، لكن بعد محاولة الاغتيال حصل ترامب على مكسب قضائي كبير عندما قررت القاضية إيلين كانون، حفظ الدعوى المرفوعة على ترامب في قضية تعامله مع وثائق مصنفة سرية بعد مغادرته البيت الأبيض، واعتبرت القاضية كانون أن تعيين المدعي الخاص جاك سميث في هذه القضية كان مخالفاً للقانون.

سابعاً: «الترامبية» والمشهد الانتخابي

قبل محاولة الاغتيال كان هناك تشكيك من جمهور الديمقراطيين، وكثير من المستقلين، في آراء وأفكار ترامب، بخاصة حول قضايا الفوضى الأمنية، والحدود مع المكسيك، وكيفية التعامل مع اللاجئين، إضافة إلى ملفات الطاقة، ونمط العلاقة مع الأوربيين ودول حلف شمال الأطلسي، «الناتو»، لكن بعد ما جرى في بنسلفانيا تغيّر المشهد الانتخابي الأمريكي، واستدار ناحية ما يؤمن به، وظل يردده لسنوات طويلة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، كل هذا دفع بالجميع، بمن فيهم الحزب الديمقراطي، إلى تعديل رؤيته، بخاصة في ما يتعلق بمظلومية ترامب الدائمة من الفوضى، وضعف الشرطة، واستهدافه بالقتل، وسيطرت قضايا وملفات ترامب على موائد كل النقاش الإعلامي والسياسي.. وفي مقدمتها:

1 - السلاح الشخصي والميليشيات

معروف عن الولايات المتحدة أنها من أكثر دول العالم التي ينتشر فيها السلاح الشخصي، بخاصة الأسلحة الآلية، والنصف آلية، ويوجد في الولايات المتحدة نحو 450 مليون قطعة سلاح، حيث يمتلك المواطنون هذا السلاح بموجب المادة الثانية من الدستور التي جرت صياغتها عام 1791، وبموجب هذه المادة، وهذا الحق اشترى توماس ماثيو البندقية «ايه آر 15» التي حاول اغتيال ترامب بها، وهذه القضية عادت بقوة للمشهد الانتخابي بعد محاولة الاغتيال، بخاصة أن البعض يحاول أن يقلل من الأسلحة غير القانونية التي يطلق عليها «أسلحة الشبح»، كما يجري التفكير في كيفية السيطرة على «الميليشيات المسلحة» وهي ميليشيات قانونية ظهرت في المشهد الأمني الأمريكي منذ نهاية الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865.

2 - دعم الشرطة

دائماً ما يدعو ترامب إلى دعم الشرطة، وتخصيص مزيد من الأموال لتعيين ضباط جدد لمواجهة الجريمة في البلاد، وغالباً ما كان الديمقراطيون يرفضون هذه الاقتراحات، وبعد محاولة الاغتيال بات الجميع مستعداً لمناقشة أفكار ترامب حول ضرورة دعم الشرطة.

3 - معالجة أزمة الحدود

تشكل الحدود المكسيكية الأمريكية صداعاً، سياسياً وأمنياً، للولايات المتحدة، وسبق لترامب أن بدأ ببناء السور مع المكسيك لكن خسارته لانتخابات 2020 أجهضت هذا المشروع، لكن بعد ما جرى من خلاف بين الولايات الحدودية «الجمهورية»، مع الرئيس بايدن، بات موقف ترامب في هذه القضية أقوى بكثير، بخاصة مع زيادة أرقام الجرائم، وربط ترامب هذه الجرائم بالقادمين من الجنوب بشكل غير شرعي، وطوّر ترامب من رؤيته لقضية المهاجرين، ويقترح منح الجنسية للطلاب الأجانب الذين يدرسون في أمريكا، ويعتبر هؤلاء أفضل لأمريكا من المهاجرين غير الشرعيين.

4 - التحول الآمن للطاقة الجديدة

باتت تتنشر على نطاق واسع رؤية ترامب لقضية الطاقة، لأن فكرة التحول الكامل والسريع للطاقة الخضراء يراها ترامب غير واقعية.

المؤكد أن أمريكا سوف تظل محط اهتمام العالم بكل ما يدور فيها، تختلف معها، أو تتفق، لكنك لا تستطع أن تتجاهلها، فالولايات المتحدة الأمريكية ما زالت هي الاقتصاد الأكبر عالمياً بإنتاج سنوي يصل لنحو 27 تريليون دولار، ولها أقوى جيش تنفق عليه نحو 900 مليار دولار سنوياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xkz6wux

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"