بناء مرونة مالية وطنية تناسب اليوم وتستشرف الغد

22:27 مساء
قراءة 3 دقائق

يونس حاجي الخوري*

تنبع أهمية تبني أعلى درجات المرونة والكفاءة المالية لحكومة الاتحاد، من دورها في تحقيق التنمية المستدامة، وتلبية الاحتياجات التنموية والاجتماعية للسنوات المقبلة، وذلك من خلال موازنة تخدم الأهداف طويلة الأجَل، مع الاستقرار الاقتصادي الآني، وتنويع القواعد الاقتصادية، إضافة إلى الاستثمار في الكوادر البشرية، والحفاظ على الصناعات المحلية، والمكتسبات الوطنية، فضلاً عن دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وريادة الأعمال، وإيجاد فرص عمل جديدة.

وتتجلى المرونة، في القدرة على التعامل مع الظروف المختلفة، وتحمّل المتغيرات، والتكيف المستمر، والانطلاق بسرعة كافية لتجاوز أية تحديات طارئة. وكذلك القدرة على التعامل معها واحتوائها، وفق نهج شمولي في مقاربة المواضيع المالية والاقتصادية، لتوجيه بوصلة الإصلاحات نحو مزيد من النمو الاستراتيجي المستدام.

وعند صياغة استراتيجيات المرونة الوطنية، يجب التركيز على جوانب استراتيجية عدة؛ مثل وضع معايير وطنية لضمان كفاءة وفعالية الإنفاق الحكومي، والكشف الاستباقي عن المخاطر. وإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التحالفات الدولية واتفاقيات المساعدة المتبادلة، لدعم تحديد المخاطر والحد منها. كما يتضمن ذلك أيضاً تطوير أو تحسين الأنظمة المتعلقة بالمرونة الوطنية في ما يخص النفقات الرأسمالية والتشغيلية، إضافة إلى ضمان توافر البنية التحتية الحيوية، والخدمات الأساسية. كما يجب تعزيز الحوكمة المتكاملة، والتنسيق بين مختلف المؤسسات، وضمان قابلية قياس العائد الاجتماعي والاقتصادي على الاستثمارات.

وفي هذا الإطار، تولي دولة الإمارات أهمية كبيرة في مجال رفع كفاءة الإنفاق العام، لتحقيق المستهدفات التنموية والاقتصادية، والعمل المستمر على تحديد أولويات المشروعات الاستثمارية، لضمان الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، وهو ما يتطلب العمل على إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات، بالشكل الذي يساعد على تعظيم عوائدها. وبالتالي، نمو الإيرادات العامة للدولة.

ولقد شكلت خطة الميزانية العامة للاتحاد للسنوات 2024 -2026، الإطار العام للبرنامج المالي للحكومة الاتحادية، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد، وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية وضبط الإنفاق، بما يضمن مواصلة دعم مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تنعكس على المواطنين والمقيمين والزوار. وهنا تبرز أهمية رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعظيم الإيرادات، وترشيد الإنفاق العام، وتعزيز حوكمة منظومة الإيرادات والمصروفات، على نحو يجعلنا نمتلك إدارة أكثر مرونة للمالية العامة للدولة، وتقدير الموقف المالي السليم، الأكثر ملاءمة لطبيعة الظروف الاستثنائية التي يشهدها، أو قد يشهدها الاقتصاد العالمي.

ولأن المرونة لا تقتصر على النطاق الوطني، بل تتطلب نهوضاً دولياً شاملاً، لا تتخلف فيه أية دولة في العالم عن ركب التنمية، يصبح من الضروري تنشيط التجارة الدولية، لبناء بيئة دولية أكثر انفتاحاً وتنافسية، وتعزيز التنمية المستدامة. وفي هذه المساحات، تبرز تفاصيل تتطلب إعادة هندسة العمليات والأنشطة التجارية، لجعلها أسرع وأكثر فاعليَّة، إضافة إلى تقليص الحواجز التجارية، وتبني الرقمنة في هذه الأنشطة، والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، من أجل إيجاد حلول مستدامة للديون، وتسهيل الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء والطاقة المتجددة، مع ما يتطلبه ذلك من سياسات مُحفزة لاستثمارات الطاقة النظيفة، وتوفير بيئة محفزة وجاذبة للاستثمارات في القطاعات المحورية، وبذل جهود مضاعفة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصة في القطاعات التي تُبشّر بنمو مستدام.

ومن الأهمية بمكان، العمل على الارتقاء المستمر بأنظمة المرونة الوطنية من أجل الأجيال المقبلة، وتحقيق أهداف وسياسات الدولة التنموية، ومواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية، من خلال رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاستخدام الأمثل للموارد المالية في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية، وتعزيز المرونة الوطنية، والقدرة على تجنّب التحديات المحتملة والطارئة، علاوة على تبني الممارسات الحكومية الرائدة، ومحددات الاستثمار الناجحة، والرؤى القابلة للتطبيق، وصولاً إلى مرونة وطنية جيدة الهيكلة والتنظيم، تعتمد على برامج استثمار حكومية شاملة ومستدامة، تبتعد عن الأساليب المنعزلة، وتعالج دورة حياة الاقتصاد بمنظورها الشمولي، لبناء مرونة وطنية تناسب عالم اليوم، وتستشرف الغد.

*وكيل وزارة المالية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/febw2svu

عن الكاتب

وكيل وزارة المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"