شرخ الغرب العميق

03:53 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تثير ردود الفعل الدموية على الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة وأوروبا، مخاوف من اتساع الشرخ بين معسكرين متقابلين؛ الأول يحتج على وحشية الأجهزة الأمنية ويطالب بتقويض «اللامساواة الهيكلية». والثاني يري في التظاهرات تهديداً لوضعه، ومساً برموزه التاريخية، ويتأهب لممارسة مزيد من العنف والكراهية للدفاع عما يعتبرها «خطوطاً حمراء».

الأيام الماضية شهدت أحداثاً قاتلة واعتداءات شرسة استهدفت تجمعات مناهضين للعنصرية. وكانت الحصيلة مقتل عدد من الأشخاص، وإصابة آخرين بجروح خطرة. أما النتيجة النهائية فتشير إلى احتمال اتساع نطاق العنف، الذي بدأت إرهاصاته مع التحرك العنيف لليمين المتطرف في أكثر من بلد، وهو ما استدعى تحذيرات جدية من الدخول في معركة أيديولوجية شرسة، تضرب استقرار المجتمعات الغربية «المتمدنة».

ويبدو أن «التمرد» على الوضع القائم الذي فجره مقتل الرجل الأمريكي الأسود جورج فلويد بطريقة وحشية في مدينة مينيابوليس، ليس في وارد التوقف أو الاقتناع بما يقوله الزعماء الغربيون ومؤسساتهم.

ويبدو أن السود، والشرائح المهمشة مثلهم، قد سئموا الوعود والتعليلات والقرارات الهادفة إلى امتصاص الغضب وتهدئة ردود الفعل أكثر من كونها ترجمة لرغبة صادقة في التغيير.

الصراع القائم في الغرب ليس تجاذباً بين أبيض وأسود، بقدر ما هو تنافر بين ثقافتين مازالتا لم تُرسيا أسساً حقيقية للتعايش، وتصفية الماضي العنصري والاستعماري، وتجاوز الحواجز النفسية التي تُحييها القصص التاريخية والسير والحكايات عن العبودية، وحروب الإبادة .

والقضية المطروحة اليوم باتت عابرة لألوان البشر، فكثير من البيض أصبحوا أبطالاً في محاربة العنصرية، وبعض الملونين الآخرين بلغوا درجات بشعة من الاستخفاف بحقوق الإنسان وكرامته. وقد تكون هذه اللحظة تاريخية ومناسبة لنبش الماضي، وإعادة تشخيصه، لوضع مفاهيم صادقة تحترم آدمية الإنسان.

العنصرية ليست حكراً على الغرب وشعوبه؛ بل هي موجودة في كل المجتمعات والعصور، وتتجلى في سلوكيات ومفاهيم مختلفة. وبات جلياً أن الوضع المأزوم في العالم لم يعد يحتمل مثل هذه الظواهر لأسباب عدة، منها أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والأزمات الاجتماعية المتفاقمة لم تعد تسمح بالصبر على التجاوزات. وربما من سوء الحظ أو حسنه، أن تزامنت هذه الصحوة ضد العنصرية مع تفشي وباء كورونا الذي عاث قتلاً في بلاد كثيرة، وفي صدارتها الولايات المتحدة.

ومع توالي الخسائر في كافة المستويات تتعاظم المشكلة وتأخذ أبعاداً أخرى، وأكثر ما يخيف أن تنشأ صراعات ومعارك، قد تعيد الغرب إلى الوراء لصالح قوى أخرى وثقافة مغايرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"