شعب فلسطين كله أسير الاحتلال

02:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

تكاد مسألة الأحد عشر ألف أسير من سكان الصفة الغربية وقطاع غزة، الموزعين على السجون الإسرائيلية، تتحول لشدة رتابتها إلى واقع عادي، يتعود عليه ويتقبله الرأي العام الغربي، والرأي العام العربي، ولولا التحركات التي يقوم بها أحياناً بعض نشطاء فلسطينيين، تأييداً لإضرابات الأمعاء الخاوية، التي يقوم بها من وقت لآخر بعض الأسرى في وجه جلادهم، لقلنا إن هذه المسألة تكاد تتحول إلى أمر واقع، إلى جانب الأمور الواقعة الأخرى الكثيرة التي أصبحت جزءاً طبيعياً، أو شبه طبيعي، من الحياة اليومية لعرب فلسطين، سواء في ذلك عرب 48 أو عرب 67 .

ومع أن هذه المسألة هي واحدة بين عشرات العذابات التي أصبحت تسيطر على معالم الحياة اليومية لعرب فلسطين الذين يعيشون تحت نير الاحتلال الصهيوني، ومع أنها واحدة فقط من عشرات المخالفات التي ترتكبها يومياً، ومنذ سنوات طويلة، سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خرقاً فاضحاً لاتفاقيات جنيف التي تنظم وفقاً للقانون الدولي، العلاقة بين القوات المحتلة من جهة، والأراضي والبشر الواقعين تحت الاحتلال، من جهة ثانية، فإنها تستحق التوقف عندها بشكل خاص، لإبداء بعض الملاحظات المهمة حولها:

1- إن هذه الظاهرة تمارس منذ سنوات طويلة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية، بدرجة عالية من الوحشية، واللاأخلاقية، واللاإنسانية، تجاه شعب بأكمله، من دون تمييز لوجود طاعنين في السن بين هؤلاء الأسرى، أو وجود نساء، أو وجود أطفال حتى .

2- إن الرقم العالي الذي تقف عنده أعداد هؤلاء الأسرى، والمقدر بأحد عشر ألف أسير، قد تحوّل إلى رقم ثابت، بل قابل للزيادة، فرغم أن أكثر من عمليات تبادل للاسرى الفلسطينيين بجنود إسرائيليين أسرى، قد تمت خلال السنوات السابقة، فإن سلطات الاحتلال تعمد دائماً، وبسرعة فائقة، إلى إعادة اعتقال أعداد جديدة من الأسرى، تجعل الرقم الإجمالي يعود إلى سابق عهده، أو يتفوق عليه . ولعل أغرب وأفظع ما في هذه الظاهرة بالذات، أن كثيراً ممن تعيد السلطات الإسرائيلية اعتقالهم، هم بين أولئك الذي أفرج عنهم في الاتفاقيات السابقة، وهو الأمر الذي دعا بعض هؤلاء إلى الإضراب عن الطعام، في ظاهرة الأمعاء الخاوية، احتجاجاً على إعادة اعتقالهم سريعاً، بعد الإفراج عنهم .

3- مع أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تحاول أن تظهر أحياناً، وشكلياً، أمام الرأي العام العالمي، بمظهر قوة الاحتلال التي تعامل أسراها وفقاً للقوانين السائدة بشكل عام لديها، غير أن سهولة الإطباق على المواطنين الفلسطينيين بكماشة الاعتقال والأسر، تتم دائماً أو في الغالب الأعم، من دون سند قانوني حقيقي، ولأسباب سياسية بحتة، كما أن التعامل معهم داخل سجون الاعتقال، هو مظهر إضافي من مظاهر التمييز العنصري الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بكل راحة ضمير، إزاء الفلسطينيين عموماً، والأسرى منهم بشكل خاص . لكننا إذا ارتفعنا فوق كل هذه التفاصيل، وألقينا نظرة فاحصة على حياة العرب تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، في مناطق 48 و،67 على السواء، فسنلاحظ أن تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها عرب فلسطين تحت نير الاحتلال، تسمح لنا بالقول إن إسرائيل قد فرضت على العالم بأسره، أن يتعود على التعايش مع وضع يكون فيه عرب فلسطين بأسرهم، داخل المعتقلات وخارجها، أسرى حقيقيين لذلك الاحتلال، في كل تفاصيل حياتهم اليومية . يكفي للدلالة على ذلك النوع من الأسر العام الذي يعيش فيه الفلسطينيون، أن نتذكر أن تنقلاتهم خارج وداخل حدود الضفة الغربية المحتلة، تخضع خضوعاً كاملاً وتفصيلياً لسلطة الاحتلال، حتى إن جميع أفراد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يتنقلون داخل حواجز الضفة الغربية المحتلة، وعبر حدودها الدولية، وفق أذونات وبطاقات تمنحها سلطات الاحتلال وحدها، وتقسمها إلى درجات يسعى بعض المسؤولين الفلسطينيين إلى تحسين علاقاته بالاحتلال وقواته، لتأمين الحصول على بطاقات الدرجة الأعلى للتنقل داخل أرض فلسطين المحتلة .

فإذا أضفنا إلى هذا المشهد العادي في يوميات حياة فلسطينيي الضفة الغربية، حالة الحصار العام التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وسكانه، والسيطرة على حدود القطاع البرية والبحرية والجوية، وأحوال الصيد في بحر القطاع، فإن هذا المشهد العام يسمح لنا بالقول إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد عودت العالم بأسره، بمن فيهم العرب، أن يتعايشوا مع مشاهدة يومية للشعب الفلسطيني كله، يعيش في إطار الأسر الإسرائيلي، ليس فقط من دون الاعتراض أو محاولة المحاسبة، بل مع المباركة والقبول، والإمعان في التعاون مع الحركة الصهيونية، ونظامها الاحتلالي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"