النخب ومخاطر الانقراض

02:34 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

مع نهاية عام وبداية آخر، تتوزع احتفالات الإعلام العربي في معظمه على مسارين، الأول: قراءات في أبرز أحداث السنة الماضية، والثاني يتمثل في تنبؤات العام المقبل.
الأول يتسم بالتحليل ليخرج باتجاهات عامة حول كل حدث: مقدماته ووقائعه ونتائجه المباشرة، والثاني يركز غالباً على كل ما هو سطحي يرتبط بما تقوله الأبراج، وماذا سيحدث لهذه الفنانة أو لذلك اللاعب؛ أي أن التنبؤ بما سيقع غداً أصبح في الذهنية العربية من أعمال «الدجل والشعوذة»، ولكن معظمنا لا ينظر إلى المسألة على هذا النحو، وإنما نعتبرها وجبة إعلامية خفيفة تقدم للمتلقي وهو مقبل على سنة جديدة لابد أن تكون «سعيدة».
في الأيام الأخيرة من السنة يندر أن تجد على أي شاشة عربية هذا المحلل الذي يتحدث عن توقعاته في العام الجديد، وربما إذا تكلم أحدهم فستجده يقدم إضافة ضئيلة لحدث ما يفتقد إلى الخيال، حيث يستند إلى ما هو ظاهر ومرئي في الحدث ليصل إلى نتائج نعرفها جميعاً. وهناك بالطبع من يستطيع قول المختلف، ولكن تقف أمامه العديد من العقبات السياسية والرقابية، ولكن أهمها طبيعة المناسبة، احتفالية العام الجديد التي لا تحتمل «وجع الرأس».
المسألة تؤشر في العمق إلى غياب القدرة على تضمين وجبة احتفالية خفيفة، فكرة مؤثرة، تدفع العقل إلى التأمل، وهو عجز يعود إلى ثقافة عربية منشطرة حدياً بين النخبوي والعام؛ الفكري والسطحي الجدي والاحتفالي، ف«لكل مقام مقال».
ويعاني الإعلام هذا الانشطار بسلبياته كافة، فللمهتم بالسياسة مواصفاته وما ينبغي أن يقدم له، وكذلك لمتابع الرياضة والسينما. وفي الحقيقة معظم البشر يهتمون بهذه الحقول كافة في الوقت نفسه.
لم يعد الفكر الإنساني يميل إلى ثنائيات تعود إلى رؤى هيمنت في القرون الوسطى، وأصبح الفلاسفة والأكاديميون في ثقافات عدة يهتمون بمفردات تتصور نخبنا المهمومة بالأفكار الكبرى، أين هي تلك الأفكار؟، إنها تنتمي إلى كل ما هو تافه وعابر، ونتيجة لذلك باتت نخبنا عاجزة على التواصل مع البشر، ومع صعود هؤلاء عبر الإعلام فائق الحداثة، تفاقمت الإشكالية أكثر وتزايدت حدة عزلة النخب.
كيف تصل النخبة إلى الجمهور وفق اشتراطات العصر الجديد؟، وكيف تؤثر فيه من خلال أطروحات وكتابات وأعمال بسيطة وعميقة في الوقت نفسه؟، وكيف يمكن تضمين الجاد في الخفيف من دون الوقوع في السطحية والابتذال؟، وكيف تتحدث عن المقبل ببساطة تتخلص من التنظير والتعقيد ولا تتورط في الدجل والشعوذة؟، تلك هي أبرز التحديات التي تواجه نخبنا في العقد المقبل، وإذا لم تجد إجابات عملية ناجعة، فربما يكون مصيرها إلى الانقراض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"